للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الحرية! الحرية!]

أصبحت الجامعة العربية حديث العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، قد ناطوا بها كل آمالهم في بلوغ غاياتهم وإدراك ما تتمناه قلوبهم وضمائرهم، وحسب الجامعة أن تكون قبلة أربعمائة مليون عربي ومسلم في دنيا كلها عدوّ لنا يبغينا الغوائل. ولكن لا حسب، فليس من الحق أن نترك الجامعة تسير وحدها في الطريق دون أن ترتفع أصوات طلاب الحق تؤيدها وتسددها وتشير عليها بالرأي بعد الرأي، فإن رجال الجامعة رجال من أنفسنا، قد رضيت العرب أن تعهد إليهم بقيادة هذه الشعوب المطالبة بالتحرر من قيود الاستعمار التي ضربت علينا ونحن في غفلة عن الدنيا الضارية التي أرسلت علينا وحوشها ترتع في حمانا، وتستأثر بخير بلادنا، وتنال منا نيلا شديدًا.

وقد آن أوان تغيير ما كان وما سار عليه العمل في السنوات الماضية. فالجامعة ترى كما هي كل عربي ومسلم منذ وضعت الحرب العالمية الماضية أوزارها، أن أوربة الجائعة التي لا تشبع، قد خرجت من تحت أنقاض الحرب المدمرة وهي أشد ضراوة ووحشية مما كانت قبل الحرب وفي زمان الحرب. وأنها تريد أن تلتهم كل شيء فتشبع ونجوع نحن، وتعبث ونئن نحن، وتستغرق في الترف وناعم العيش وإن أغرقتنا نحن في الضنك وبؤس الحياة. فهذه روسيا تريد أن توغل حيث أطاقت وحيث تيسر لها أن تتوغل. وهذه بريطانيا الكاهنة العتيقة العاتية تريد أن تتلو زمازم (١) كهانتها على شعوبنا لتنيمَنا مرة أخرى على الخسف الذي نمنا عليها أجيالا طوالا. ثم هذه ثالثة الثلاثة أمريكا التي لا ينطفئ أُوار ظمئها إلى البترول، تريد أن تستنفد كل شيء ما استطاعت، لتنعم هي به


(*) الرسالة، السنة السادسة عشرة (العدد ٧٦٣)، فبراير ١٩٤٨، ص: ٢١٤ - ٢١٦
(١) الزمازم: جمع زَمْزَمَة، وهو كلام المجوس بصوت خفيّ، لا يستعملون اللسان ولا الشفتين، وإنما يديرونه في خياشيمهم وحلوقهم فيفهم بعضهم عن بعض.