وبكل ما يطيق العلم أن يحدثه من ترف أو قوة، فتدخل مع بريطانيا في الحلف الاستعماري، لا تبالى أن تناقض تاريخ الأحرار القدماء من رجالها وبناة مجدها.
وترى الجامعة كما يرى كل عربي مسلم، أن الشرق العربي والشرق الإسلامي لم يقرَّ له قرار منذ سكنت نار الحرب، فقد انبعثت أندونيسيا تريد الحرية فلم يبال بها أحد، وانبعثت الهند تريد الحرية فأناموها بأن أدخلوها في نظام الدومنيون، وهبت مصر والسودان تجادل عن حقها في مجلس الأمن فأصمت الأمم الداعية إلى الحرية آذانها، وعلقوا القضية في هيكل الوثنية الحديثة التي تعبد إله الشهوات، وثار العراق يريد أن يحطم قيود الذل فأرادت بريطانيا أن تختدعه عن نفسه فأبى إباء الأحرار، وماج المغرب العربي في تونس والجزائر ومراكش، فضربت عليه فرنسا حكم الجبروت وألقت بينه وبين العالم أسدادًا من فولاذ الظلم والطغيان، وسكت العالم الجديد عن هذا البغى اللئيم الذي ليس له رادع من نفسه ولا من الناس. وفارت مدغشقر فأطفأ المستعمرون تلك الأرواح المستعرة بأسنة الحراب. وأخيرا كشفت روسيا وبريطانيا وأمريكا وسائر الدول الصليبية قناع النفاق والرياء، فقضت أن تطلق على فلسطين أنذال البشرية من يهود، ليطردوا العرب من أرض آبائهم وأجدادهم منذ كان للعرب على هذه الأرض تاريخ، فأجمعت الأمم الإسلامية على أن ترد على العدوان وإن اجتمعت الدنيا كلها على تحقيقه ومناصرته.
ترى الجامعة العربية كل هذا كما يراه كل مسلم وعربي، ولكنها لا تزال تسير في أمر هذه الثورة الجامحة -التي يريد بها العرب والمسلمون أن يطهروا أنفسهم من الاستعباد، وأن يطهروا أرض الله من البغى والعدوان- سيرةً لم يسرها قبل مطالب بحق يعلم أنه حق لا نزاع فيه. فهي تشغل نفسها مثلًا بقضية فلسطين وحدها -على خطر شأنها- وتنسى ما يجرى في مراكش وتونس والجزائر، وما يحدث في العراق، وما هو كائن في مصر والسودان، وما لا يزال يحدث في أندونيسيا وسائر البلدان والأمم المطالبة بالحرية. ولعلها تقول إنها تنظر في الأهم