للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغالب. حاولت أن تهب من رقدتها، لتنفض عن نفسها غبار القرون، فماذا فعلت؟ ولم أخفقت؟

كان لدوى الأركان المتقوضة في مركز دولة الخلافة، ذبذبة تغلغلت في قلب العالم العربي الإِسلامى حتى بلغت أطرافه البعيدة. وبالتوجس المحض من الخطر المرهوب المحجوب، بدأت أمة كاملة مترامية الأطراف تحاول أن تواجه تحديا عن عدو مبهم، بدأ يقوض أركان دولتها. وبرد الفعل الفطرى، تحركت طائفة قليلة مبعثرة في أرجاء عالم متراحب. تحركت تدافع عن بقائها بلا تدبير سابق، ولا هدف واضح، وما هو إلا التوجس الغامض من شر خطر داهم مستطير، ولكنه محجوب لا يعرف ما هو على التحقيق.

كان أول ما انبعث هؤلاء الأفراد القلائل بفطرتهم للدفاع عنه هو اللغة والدين، وهما أساس ثقافة الأمة، ثم سائر العلوم التي هي أصول الحضارة التي ورثتها، وعاشت بها وفيها قرونا طويلة. كان الطريق الذي هدتهم إليه الفطرة، هو بعث الأصول التي قامت عليها الثقافة والحضارة، بالرجوع إلى منابعها الصافية الأولى، بعد أن غمرها النسيان والغفلة بأتربة سفت عليها قرونا حتى طمرتها، وسلبتها بريقها ونضرتها.

لا أستطيع هنا أن أسرد كل ما حدث عند هذا التوجس في كل ناحية من نواحي هذا العالم الضخم المتراحب، ولذلك رأيت أن أختار خمسة رجال عظام لا أكثر، أحسوا بذبذبة النكبة، فانتفضوا لها، وكان لهم في بقعة من قلب العالم العربي الإِسلامى طريق واضح في البعث والإحياء، دلت عليه كتبهم وأعمالهم دلالة واضحة. لن أستوعب تاريخهم أو آثار كتبهم وأعمالهم، وإنما هي الإشارة والتنبيه لا غير، إلى هذا الإحساس الغامض بالنكبة، وطريقهم الذي سلكوه لدفعها عن بلادهم وأمتهم، بلا تبين واضح للعدو أو للهدف.

[هؤلاء الخمسة]

قبل كل شيء، ينبغي أن نعلم أن حياة هذا العالم العربي الإِسلامى، كانت تسير على نمط مألوف معروف، لا يكاد يستنكره أحد: في العقيدة العامة التي