أطراف دولتهم. حركة حياة لم يلقوا إليها بالا في أول الأمر، مع أن الله تعالى كان قد أنذرهم قبل ذلك بقليل، فسلَّط الهمج البرابرة على طرف من أطراف دولتهم في أرض الأندلس، بعد أن عمروها ثمانية قرون "٩٣ - ٨٩٧ هـ/ ٧١٢ - ١٤٩٢ م" فأبادوا ملكهم، واستباحوا حضارتهم، ونهبوا ما في أيديهم من ثروة وعلم وبشر، ودمروا أكثر ما شيدوه من بنيان. عظة وعبرة، لم تجد مستمعا ولا مستجيبا.
والآن، وهم في غفلة واستنامة، كان قدر الله سبحانه يعد لهم بعد المغل "المغول" والتتر الذين انصبوا عليهم من الشمال الشرقي. مغل العصور الحديثة وتترها من الشمال الغربى ليرسلهم عليهم .. لن يكونوا مغلا جهلة كأهل الشمال الشرقي، بل مغلا مدربين قد استفاقوا من جهالة ظلوا غارقين في مستنقعها اثنى عشر قرنا، "هي القرون الوسطى، كما يسمونها". بعد أن أيقظتهم حضارة العالم العربي والإِسلامي، وأمدتهم بما يحييهم. وبعد أن وضع لهم نيكولو مكيافيلى "٨٧٤ - ٩٣٣ هـ / ١٤٦٩ - ١٥٢٧ م" دستورهم الأخلاقى السياسي. الذي لا تزال تسرى شروره في شرايين الحضارة الأوروبية الحديثة إلى هذا اليوم.
بدأ زحف المغل "المغول" المحدثين على دولة الخلافة الإِسلامية بحذر شديد، وبدأ تطويق العالم العربي الإِسلامى من سواحل البحار البعيدة في أفريقية وآسية والهند وجزيرة العرب. ثم بدأ التغلغل في حواشى الأرض اليابسة من أطراف العالم الإِسلامى. ومرت السنون، وشيئا فشيئا نفذت سطوة المغل المحدثين في كيان دولة الخلافة، وبدأت دولة الخلافة تفقد سلطانها على نفسها، وأحس العالم الإِسلامى بالنكبة إحساس التوجس المبهم، وخامر الآذان دوى خفي ينبعث من تقوض أركان دولة الخلافة، وخالط الفزع الغفوة، وبدأ التحدى الأكبر واضحًا في ناحية، مبهما في الناحية الأخرى.
لن أقص تفاصيل تاريخ غريب مخيف، ولكني أشير إلى جزء يسير من حركة أمة فزعت من خطر، فأخذت تمسح النوم عن عيونها بأيد فيها فتور النعاس