هذا هو عمل الأدباء والشعراء على الاختصار والإجمال. أما أن يتوهم متوهم أن أثر الحرب إنما يكون إذ يلوك أخبارها وأحداثها ويمضغها في لفظه وعبارته مضغ الكلأ، فذلك شيء لا يقع عليه إلا عقل العامة الذين لا ينفذون في المعاني إلا على الوهن والضعف والفساد. إن أفكار الأدباء التي تسمو بألفاظها ومعانيها سمو الروح بين خوافق السماء، وإن أحلام الشعراء التي تختالُ في زينتها رقيقة ناعمة أو ثائرة مُتفجرة -هي أحبُّ إلى نفوس الناس في زمن الحرب، لأنها تنفيس عنهم من كرب الحروب، وإخراج لهم من حمأة الدم الذي ينشر رائحته مع كل نَفَس، ثم هي التمهيد الصحيح لتهذيب النفس الإنسانية وتربيتها والتسامى بها عن المعنى الحيواني الضاري الذي تنشّئه الحروب في مهد من الأشلاء والدم.
[العقل المصري! !]
كتب الأستاذ (محمود المنجوري) كلمة في السياسة الأسبوعية (١٥٥) يريد أن يكشف بها عن (طبيعة العقل المصري، ومدى تأثرها بالانقلابات) الاجتماعية أو السياسية أو الدينية. وساق حديثه فيها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. ونحن نتجاوز عن بعض الخطأ الذي وقع الأستاذ فيه عصبيَّة للعقل المصري كما يسمّيه، كدعواه أن إنشاء الأزهر كان نتيجة للأسباب الفكرية والاجتماعية والروحية -التي نشأت في مصر فيما يرى- فأريدَ إقامة الدعوة الفكرية المتميزة عن صواحباتها في سائر العالم الإسلامي بإنشاء هذا المعهد العلمي العظيم. ولا شك في أن هذا تأويل غير جيد لحقائق التاريخ، فإن الفاطميين هم أنشأوا هذا المسجد الجامع لأول فتحهم لمصر، ولم يكن للعقل المصري إذ ذاك كبير شأن ولا صغيره في دفع الفاتحين إلى إقامة هذه العمارة في مصر، وإنشاء الأزهر كان لغرض في نفس الفاطميين أصابوه أو أخطأوه. . . فليس ذلك من شأننا هنا.
وأيضًا فأنا إلى اليوم لا أكاد أعرف شيئًا يمكن أن يسمى "العقل المصري" أو "العقل الإنجليزي" أو "العقل الفرنسي" وهلم جرّا، حتى يوضع في كفة