اختلافنا على البدع والمحدثات وبغى بعضنا على بعض -ومصير ذلك كله إلى العداوة والبغضاء وأن يكفر بعضنا بعضًا- إلا إعانة لهؤلاء على النيل منا ما شاءوا. ثم نحن في زمان جهل بالدين، فليس من أمر الله أن ندع أصل الدين مجهولًا، وننصرف إلى فروع نحاول على إبطالها أو تحقيقها.
وقد روى البخاري:"قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرأوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه"، فإذا كان من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحسم أصل الخلاف بترك مجلس الخلاف في القرآن وهو أصل الإسلام كله، فأولى أن نقوم عن مجلس الخلاف في فروع وسنن، لئلا يفضي ذلك إلى مثل الذي نراه بيننا اليوم من التعاند على بعض السنن بالعداوة، حتى صار لكل صاحب رأي فريق يحامى دونه ويعادى عليه، ثم يقع بعضهم فيما هو أشد نكرًا من أصل الخلاف، ألا وهي الغيبة والتفريق بين المسلمين.
[سياسة الإسلام]
والإسلام في بنائه قائم على مصلحة الجماعة، وجعل المسلمين يدًا على من سواهم، وأن يكونوا كالبنيان يشد بعضه بعضًا. وهذه مصلحة مقدمة على كل المصالح الأخرى. وهي مقدمة على فروع الفقه الإسلامي، كما قدم الجهاد في سبيل الله على كل عمل من أعمال الإسلام.
والإسلام في أصله أيضًا لا يعرف من نسميهم اليوم "رجال الدين" فإنما هم من المسلمين يعملون أول ما يعملون في حياطة الجماعة وإقامة كيانها الاجتماعي والسياسي بالعمل، كما يعمل فيه سائر الناس في وجوه العيش وضروب البناء الاجتماعي. وليس الانقطاع للجدل في الفقه والسنن والتوحيد عملًا من أعمال الحياطة إلا أن يبنى على المسامحة والأخوة والرضا وترك اللجاج والمعاندة، وإلا فهو شرٌّ كبيرٌ يجب على المسلمين أن يحسموا أصله.
فإذا استقرَّ البناءُ الاجتماعيُّ للأُمم الإسلامية على أصولِ الإيمان المُبصِر والتقوى الهادية، وتبرأت النفوس والقلوبُ من غوائل الضعف والذلّةِ والخُضوع،