هذا العالم العربيَّ قد ابتلى بالتقصير في تاريخ دولهِ وآدابهِ، وبالنكول عن الأغراض السامية التي كان آباؤُهم يتبادرون إليها تبادر الجياد الكريمة في حلبة السباق. ومع هذا فشكرنا للأخ "عبيد" -الذي جمع ما كتب عن هذين الفحلين العظيمين- لا يقدَّرُ إذا قيس بأسفنا لهذا الصمت الذي أعقب وفاتهما. وعمل الأخ "عبيد" قد جعلنا نشعر بأن الأمة العربية التي مزَّق الاستعمار أوصالها بدسيسة العصبيات من فرعونية وآشورية وبربرية وفينيقية قد بقي فيها ذلك الوفاءُ الذي امتازت بهِ على تطاول العصور، وأملنا أن يكون عمله هذا فاتحة لدراسة هذين الشاعرين دراسةً وافية يقوم بها من يجد في نفسه القدرة على تتبع بيانهما وسحرهما وفنهما وإظهار ما كان لهما من الفضل على البيان والفكر والفنّ.
[ماضي الحجاز وحاضره]
الجزء الأول: تأليف "حسين بن محمد نصيف" بجدة الحجاز مطبعة خضير
كان غيري أحقُّ بالكتابة عن هذا الكتاب، فإن للأخ "حسين" ووالده عندي نعمًا مشكورة ما بقيت. وأنَّ الصداقة التي بيني وبينه لتجعل بعض أخطائِهِ في نفسي بمنزلة من الصواب. وكان كتابهُ هذا تامًّا أيام أن كنت في الحجاز وقد عرضهُ عليَّ وحال بيني وبين تمام قراءَتِهِ أو التثبت عند النظر فيهِ حوائل جمَّة. وهذا الجزء من الكتاب وثيقة تاريخية عظيمة القدر في تاريخ الحجاز من ولاية الحسين بن على بن محمد بن عون الرفيق في شوال سنة ١٣٢٦ إلى دخول عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل السعود (ملك الحجاز ونجد) جدة في صباح الخميس ٨ جمادى الآخرة سنة ١٣٤٤، ويزيد قدر هذا الكتاب حين يصل إلى تاريخ المعركة التي كانت قائمة بين الأسدين العربيين، والتي انتهت بانهزام الحسين وخروجهِ من بلاده إلى حيث عاجلته منيته -رحمه الله- وعفى عنهُ. ولولا هذا الكتاب الذي بين أيدينا اليوم لكان من الصعب على أحد من أهل البلاد العربية النائية أن يصل إلى أخبار صحيحة عن الحرب الحجازية الأخيرة، أو أن يصل بين تاريخ الحجاز قبل عهد الحسين وتاريخه بعد حكم ابن سعود. وقد اتّبع