لا يحل لعربي منذ اليوم أن يرفع يده عن سلاح يعده لقتال عدو قد أحاطت به جيوشه من كل ناحية. ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يدع ثغرة من ثغور العدى إلا سدها بنفسه أو ولده أو صديقه. ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يضع عن عاتقه عبء الكد والكدح التماسًا للراحة أو الدعة. ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يتواكل ويقول لنفسه: لقد تعبت، وما يضرنى أن أترك هذا لفلان فهو كافيه. ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يقول: غدًا أفعل ما حقه أن يفعل اليوم. ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يخدع نفسه عن حرب دائرة الرحى بيننا وبين اليهود وأشياعهم من أمم الأرض. ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يكتم الحق عن أهله أو عن عدوه، ويقول هذه سياسة وكياسة وترفق. ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يمالئ قومًا يكاشفونه بالعداوة والبغضاء ونذالة الأخلاق. ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يقبل من رجال السياسة تأجيل شيء من قضايا العرب، فهي كل مترابط لا ينفك منها شيء عن شئ.
لقد عرف كل عربي وكل مسلم على ظهر هذه الأرض ما آلت إليه القضية المصرية السودانية في مجلس الأمن، وعرف كل عربي وكل مسلم ما صارت إليه قضية فلسطين في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة، فهل بقي بعد هذا مجال لناظر حتى يقول: سوف أحتال بالسياسة حتى أنال ما هو حق لي؟ !
إن بريطانيا وأمريكا وسائر الدول التي تدير لهما الساقية، قد كشفت عن طواياها بما لا يدع لأحد علة يتعلل بها أو يتشبث، فقد قالوا الكلمة الصريحة الواضحة بأنهم عدوٌّ لنا وحرب علينا، وأنهم يبغون أن يحطموا هذا الجيل العربي، وأن يسلطوا على رقابه أنذال اليهود وأوباش الاستعمار، وأنهم يعتقدون أننا قوم لا نصلح لأن نحكم أنفسنا بأنفسنا، أو أننا أمم قُصَّر لم نبلغ رشدنا ولا يظن بنا
(*) الرسالة، السنة الخامسة عشرة (العدد ٧٤٤)، أكتوبر ١٩٤٧، ص: ١٠٨٤ - ١٠٨٦