مِزَقا متفرقة مبعثرة تكاد تكون خالية عندنا من المعنى ومن الدلالة، ولأنه غير ممكن أن يظل الفارغ فارغا أبدا، فقد تم ملء الفراغ بجديد من العلوم والآداب والفنون، لا تمت إلى الماضي بسبب، وإنا لنستقبله استقبال الظامئ المحترق قطرات من الماء النمير المثلج".
وفي خلال هذه الأعوام تبين لي أمر كان في غاية الوضوح عندي، وهو قصة طويلة قد تعرضت لأطراف منها في بعض ما كتبت، ولكني أذكرها هنا على وجه الاختصار (مقدمة المتنبى ص: ٢٧).
" الجيل المفرغ"
ثم انطلقت بعد ذلك أقص القصة منذ عهد محمد على. وحفيده إسماعيل، حتى جاء الاحتلال الإنجليزي في سنة ١٨٨٢، وبمجيئه سيطر الإنجليز سيطرة مباشرة على كل شيء، وعلى التعليم خاصة إلى أن جاء دنلوب (في ١٧ مارس ١٨٩٧) ليضع للأمة نظام التعليم المدمر الذي لا نزال نسير عليه مع الأسف إلى يومنا هذا (المقدمة ص ٢٨)، ثم بينت وسائل التدمير التي ارتكبها الاستعمار في حياتنا، وما أدى إليه من التدهور المستمر المتتابع، حتى قلت: "وكذلك كان مقدرا لجيلنا -نحن جيل المدارس المفرغ- أن يتلقى صدمة التدهور الأولى، لأنه نشأ في دوامة دائرة من التحول الاجتماعي والثقافي والسياسي (المقدمة ص ٢٦). ثم ختمت هذا الفصل بقولى: "وفي ظل هذا كله -كما قلت- انتعشت الحياة الأدبية انتعاشا غير واضح العالم. . . وأقول غير واضح المعالم، لأن الأساتذة الكبار الذي انتعشت على أيديهم هذه الحركة (ومنهم بالطبع الدكتور طه وغيره)، كانت علائقهم بثقافة أمتهم غير ممزقة كل التمزق، أما نحن -جيل المدارس المفرغ- فقد تمزقت علائقنا بها كل التمزيق، فصار ما يكتبه الأساتذة -فيما له علاقة بهذه الثقافة- باطلا أو كالباطل. فهو لا يقع منا ومن أنفسنا بالموقع الذي ينبغي له من الفهم ومن الإثارة، ومن الترغيب في متابعته، ومن إعادة النظر في ارتباطنا بهذه الثقافة. بل كان عند كثير من أهل جيلنا غير مفهوم البتة، فهو يمر عليه مرورا سريعا لا أثر له، أما الذي أخذه جيلنا عنهم، فهو