الآن حَصْحَصَ الحق، ولم تبق في نفس ريبة تحجبها عن رؤية الحقيقة سافرة بينة واضحة تكاد تنطق وتقول هأنذا فاعرفوني؛ فهذه بريطانيا أمّ المكر والدسائس قد دخلت أرض فلسطين العربية ليقول قائد جيشها يومئذ حين وطئت قدماه المدنستان هذه الأرض المطهرة:"هذه آخر حرب صليبية"، فكان ذلك إعلانًا عما اعتمل في نفوس أولئك الغزاة من سخائم الحقد والضغينة والعصبية الجاهلية الموروثة، ثم لم تلبث هذه الدولة أن نكثت عهودها للعرب، وكانت قد قطعت هذه العهود على نفسها لتستجر معونة العرب لها في الحرب العالمية الأولى. ولم يكن ذلك فحسب، بل إنها كانت تكيد للعرب من وراء حجاب فقطعت عهدًا آخر يناقض عهودها للعرب، وكان هذا العهد لرجل غير مسئول من الأفاقين الصهيونيين المتعصبين. فلما دخلت فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى أظهرت أنها دولة لا تستطيع أن تنقض عهدها فإن العهد هو شرفها الشامخ الباذخ النقى الطاهر، فمن أجل ذلك أصرت على أن تحمى اليهود الذين جاءوا من أرجاء بلاد الله ليحتلوا أرض فلسطين. وظلت وكالات الأنباء تطمس حق العرب فيما تنشره الصحافة، وتجلو باطل اليهود جلاء منيرًا حتى انخدعت الدنيا كلها بالترهات التي تحوكها هذه الشركات الصهيونية.
وثار العرب يطلبون حقهم ويريدون طرد هؤلاء الدخلاء من أرض الآباء والأجداد، فوقفت بريطانيا تذود عن باطل اليهود فتفتك بالعرب فتكا وحشيًّا، تعذب طلاب الحق وتهينهم وتشردهم لا ترعى حرمة لطفل ولا شيخ ولا امرأة، وضربت الغرامة على القرى والدساكر والبلاد لأهون سبب، وهي في أثناء ذلك ترخى للأفاقين من اليهود وتغريهم بالعرب وتمهد لهم في الحكومة حتى يستولوا
(*) الرسالة، السنة الخامسة عشرة (العدد ٧٤٦)، أكتوبر ١٩٤٧، ص: ١١٤٠ - ١١٤١