فمنذ ذلك الحين وأنا أنظر وأتسمع، وأتفرس الوجوه، وأتوسم الشمائل، فإذا هذه اليهود وهذه الأجانب قد خفتت أصواتها، ولانت أخلاقها، وهذبت غطرستها، وحلت لنا ألسنتها، وابتسمت لنا وجوهها. ولم أكن أجهل أن ذلك كله نفاق ورياء وخديعة يظنون أنها تخدعنا عن طوايا قلوبهم. فلما كان من أمر القضية المصرية السودانية ما كان، وظهر من مستور اللجنة المزورة ما ظهر، إذا هذه الأصوات الخافتة قد صارت نعيقًا، وإذا الأخلاق اللينة قد صارت عرامًا، وإذا الغطرسة المهذبة قد انقلبت فجورًا متمردًا، وإذا الألسنة الحلوة قد صارت مرًّا زعاقا (١)، وإذا الوجوه المبتسمة قد شاهت بالتجهم وإذا الشمائل المؤدبة قد صارت عجرفة وطغيانًا، وإذا هذه الخلائق الفاجرة تمشي على أرضنا تيهًا وخيلاء كأنها جنس وحده ونحن عبيده وأذلاؤه، وإذا نظرات الازدراء وكلمات التحقير تقال على مسمع منا ومنظر بلا حياء ولا أدب ولا خلق، وإذا كلمة "عربي" تتردد مرة أخرى على ألسنة هؤلاء الأنذال الجبناء في كل مكان بعد سكوتهم عن النطق بها خوفًا وفزعًا أن يكون قد دنا موعد نصر العرب في قضية فلسطين وقضية مصر والسودان. هذا كله شيء تتبعته أنا ومن أعرف، بلا زيادة ولا دعوى كما تفعل هذه الخبائث من يهود وشذاذ الآفاق.
إنها الحرب المبيرة أيها العرب، فلا تكن يهود التي ضرب الله عليها الذل والمسكنة والتشرد في جنبات الأرض، أحمى منكم أنوفًا وأشد منكم حفاظًا، وأقوى منكم حمية، وأجرأ منكم قلوبًا ولا تكن يهود أيها العرب أشد محافظة على باطلهم منكم على حقكم. واعلموا أيها العرب أن الذي بيننا وبين يهود والذي بيننا وبين الاستعمار دم لا تطير رغوته ولا ينام ثائره، وقد جدت الحرب بكم فجدوا يا أبناء إسماعيل ويا بقية الحنيف إبراهيم، ولا يهولنكم مال اليهود، ولا بطش بريطانيا، ولا مخرقة أمريكا، فإن الحق لله، وكلمة الله هي العليا.
(١) زُعاق: يقال ماء زُعاق، إذا كان مُرًّا غليظا لا يُطاق شربه من أُجوجته.