. . . لقد أوشكت أن أقول "عدونا وعدوكم واحد"، ولكني آثرت أن أسند العداوة إلى المفرد: لأسباب كثيرة منها: أننى أحببت أن تكون هذه الرسالة كأنها موجهة إليك من كل قارئ، بل من كل عربي، فأنت تسمع أصواتهم جميعا، تعج في مسامعك بلفظ واحد:"عدوى وعدوكم واحد". وبذلك ترى آلافا مؤلفة قد رفعت لعينيك وأن تقرأ، وكل منهم مستقل بعداوته، فإن غاب واحد أو اثنان أو ثلاثة أو عشرات لم يقدح ذلك شيئا في كثرة الداعين والهاتفين. ثم هو أدل على أن استقلال كل فرد بعداوته ينطوى على عزيمة ونية ثابتة لا تتحول ولا تتأثر بتغير الأحوال، وعلى أن كلا منهم لا يرى أنه فرد مسوق في جمهور صاخب، بل يرى أن الآلاف المؤلفة من حواليه صور قد لبست الفكرة فعاشت بهم، ومشت بهم، ونطقت بهم وستعمل بهم عملا ينبغي أن يتم لأنه إرادة وعزيمة ونية وهدف، لا حياة إلا بتحقيقها جميعا.
بل لعلي آثرت هذه الصيغة ليكون قارئها في هذه الصحيفة، مستشعرًا معنى العداوة في نفسه، وهو يخاطبك من خلالها بلسانى، فإذا ألح عليه تأمل هذا المعنى فتح عينيه على حقيقة العداوة، ما هي؟ ولمن هي؟ وكيف تكون؟ والإجابة على هذه الأسئلة الثلاث هينة، ولكنها تدلس بهوانها في بادئ الرأي. فهي في الحقيقة شاقة عسيرة، تحتاج إلى تفاصيل كثيرة، لو ذهب إنسان يحصيها، ويمحص ضروبها وأنواعها، ويميز بين طيبها وخبيثها، لاحتاج إلى مجلد ضخم، لا إلى أسطر في رسالة، أو مقالة في صحيفة، أو فصل في كتاب. ما العداوة؟ أهي مجرد البغضاء والحقد؟ إذن، فهي سفه وسوء خلق. أهي مجرد الشعور بأن تكره إنسانا ما، أو ناسا ما، لأنك تحس بهذه الكراهة بلا سبب بين عندك، أو بسبب بين ولكنه لا يزيد على أن يجعلك تكره وينطقك بهذه الكراهة؟ وإذن فهي إضاعة لجهد النفس، وإفساد لصحة الرأي. والعداوة بهذه