أعطت هذه الحضارة الأوربية الحديثة أعظم روح من الفن كان في الأرض من لدن آدم إلى يوم الناس هذا. وهذه الروح الفنية -على سموها في بعض نواحيها إلى غاية ما يتسامى إليه الخيال الفني- تتساقط وتتدنى وتنحدر من جوانبها إلى أدنأ ما يبتذل من الفن العامي المثير لأشأم الغرائز الحيوانية في الإنسان. وبهذه الرُّوح الفنية عالجت الحضارة الأوربية مشكلة الحياة السريعة الدائبة المثقلة بأعباء العمل، فاتخذت لكل مَلَل راحة واستجمامًا بلغت بهما غاية اللذة الفنية، تلك اللذة التي تجعل الأعصاب المجهدة إذا أوت اليها كأنما تأوى إلى بيت ذي رونق وزخرف وعطر وضوء يغمغم ألحانًا من الفن الموسيقي، فإذا بلغته استنامت بإجهادها على حشايا الخز والديباج، نعومة ولينًا ترسل في الأعصاب لذة تمسح الجهد حتى يسكن ويخف ثم يتبدد.
وكانت المرأة هي فنُّ الفنِّ للإنسانية، وهي الشاطيء الوادع لبحر الحياة المتموج، وكانت الظل الرطيب في بيداء موقدة تحت أشعة الشمس المحرقة، وكانت هي السكن للقلب المسافر دائمًا في طلب أسباب العيش والحياة. فجاء فن المدنية الحديثة فجعل الشاطيء بحرًا آخر يموج موجًا فنيًا مغريًا يجعل السباحة المجهدة فيه ضربًا من الراحة، وتركت الظل الرطيب حرارة مستعرة تحرق، ولكنها تحرق بلذة، وفرشت السكن حتى مدته طريقًا بعيدًا متراميًا يسافر فيه القلب سفرًا بعيدًا في أحلام وفتنة وجديد لا يتقادم.
وبدأت المرأة بدءها لتجعل الحضارة فنًّا جديدًا من تجميل الحياة للمكدودين. ثم جاءت الحرب الماضية، فخرجت المرأة من وطيسها المتوقد قد إستوت ولذَّت وطابت، وتجدّدت عقلًا وروحًا وجمالًا، وشاركت أسباب