للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقاحة الأدب أدباء الطابور الخامس]

نحن لا نشك في حقيقتين ظاهرتين متمايزتين متحزبتين بطبيعة الفطرة الإنسانية الاجتماعية. فالحقيقة الأولى هي مطالب الفرد لنفسه ورغباته وأمانيه وأحلامه. والحقيقة الأخرى هي: مطالب الجماعة المكونة من الأفراد على اختلاف نزعاتهم في أنفسهم وخاصتهم. وكل عمل فردى لا يكاد يفلت أثره في الجماعة، وتوجيهه في الحياة الاجتماعية عامة إلى جهة بعينها، وخاصة إذا كان مرد أعمال الأفراد إلى قاعدة عامة تطلق لهم من الحرية ما يجعل أعمال الفرد استقلالا على طريقة المصلحة الفردية التي لا تحترم قيود الجماعة، وقيود الجماعة عندنا هي المصلحة التي لا ترقى بها هذه الجماعة المختلفة قوة وضعفًا، ولؤما وكرما، وعقلا وسفاهة، وحكمة وضلالا. وأخطر الأشياء في حياة الجماعات والشعوب هي القواعد العامة التي يأتي من تفسيرها وتوجيهها سيل طام متدفق من تيارات الأفكار المتنازعة التي تتنابذ ولا تتعاون.

فلذلك نحن نعد المبادئ العامة التي تسيرها أعمال الأفراد مستقلة عن الفكرة الاجتماعية الرحيمة التي تخاف سوء المغبة في جسم الجماعة، هي الأصل الذي يجب أن يمحص ويحقق ويضبط، حتى لا تتنازع عليه الأهواء أو الشهوات ودناءات الأخلاق الفردية المستأثرة، والتي تعيش بلذاتها قبل حقائق لذاتها. فإن طغيان الوحشية الفردية يفضى بالعالم إلى فوضى في الجماعة لا تقاومها حسنات المجتمع أو مصالحه أو حقيقة حياته.

فأنت ترى من ذلك أن أهم ما يجب علينا أن نتوجه إليه، هو ضبط النسبة بين حاجة الفرد المستقل باعتباره فردًا من جماعة مستقلة أيضا، تريد هذه الجماعة أن تجتنب أكبر قسط بل أعظم كارثة من بلاء التشقق الاجتماعي الذي يأتي من وراء


(*) الدستور -السنة الثالثة- العدد ٨١٣، السبت ٢٨ جمادى الثانية سنة ١٣٥٩ - ٣ أغسطس سنة ١٩٤٠، ص ١.