للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغذاء العقلي والروحي للشباب]

ألقى الدكتور طه حسين في قاعة الجامعة الأمريكية كلمة أُريد عليها، كما قال في أول كلامه، فاستغرقت هذه الكلمة من الوقت ساعة أو أشفَّ قليلًا، افتتحت بالتصفيق الشديد للدكتور طه حين خرج على الناس ليتكلم! !

ولستُ هنا في مقام التلخيص لهذه الكلمة، ولكني بالمكان الذي يجب عليَّ فيه أن أشقّ للقراءِ موضع الرأي الذي ينبغي لهم أن يشغلوا أفكارهم به ولو ساعةً من نهارٍ، كما شغل الدكتور طه سامعيه ساعةً من ليل يوم الإثنين ٢٩ يناير سنة ١٩٤٠. وليس في القراء الذين يعرفون الدكتور طه من يجهلُ أن أوّل ما يتكلم به الدكتور إِنْ هو إلا أن يجعل مَردّ كل شيء إلى "يونان" ومدن يونان. . . فلا شك إذن في أن أول نظام عرف للغذاء العقليّ والروحيّ للشباب، إنما كان في المدن اليونانية والحضارة اليونانية والعقلية اليونانية! ! فهذا شيءٌ مفروغٌ منه قد جعله الدكتور طه مذهبًا لا يحيدُ عنه، وأسلوبا لا يسلُك غيرَه، ولا بأس بذلك. . . فأنا أعتقد أن اختلاط المدنيات المتعاقبة على الأزمان المتقادمة، قد جعلت لصاحب الرأي سعةً يذهبُ فيها حيث يشاء. فلو قلت أنا مثلًا: إن أول نظامٍ عرفه التاريخ لتنظيم الغذاء الروحي والعقلي للشباب، إنما كان بالصين، وقد فصَّله لنا ما بقي من آثار "كونفوشيوس" فيلسوف الصين الأكبر، لوجدت من الدليل ما أستطيع أن أقيم بها عِوَجَ الرأي، وأردُّ به على مخالفيّ رد إِلزامٍ وخضوعٍ. . . وكيف لا أستطيع ذلك وفي كل كلمةٍ من كلام هذا الفيلسوف العظيم توجيهٌ لقوى الشاب الصينيّ إلى الخير المحض، وهو الذي يقول: "من حق الشاب أن ننظر إليه بعين الاحترام، فما يدرينا أن علمه في المستقبل سيكون فوق علمنا في الحاضر؟ أمّا من أسند في الأربعين أو الخمسين من عمره ولم يشتهر بعلمٍ من العلوم، فلا يستحق أن ننظر إليه بعين الاحترام". وقد جَعَلَ كل جهده في تدبير شؤون الدولة الصينية، يقول: "إن الاضطراب قد مزّق البلاد بالفوضى، فمن


(*) الرسالة، السنة الثامنة (العدد ٣٤٤)، ١٩٤٠، ص: ٢٢٢ - ٢٢٤