للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فعلى كل منا عندما يهم بكتابة مقال أن يتساءل بصراحة: "إلى ماذا أرمي؟ أتراني أُضيف بمقالي فوضى إلى هذه الفوضى الفكرية التي يتخبط فيها عالمي، وأقذف بعنصر جديد إلى العناصر التي تتطاحن في محيطي، فأزيد في بلبلة أمّتي واضطرابها الفكري أم أنا أعمل لتوجيه قوى هذه الأمة العقلية نحو فكرة صائبة أو عقيدة واضحة؟

فإذا لم تكن غايته من هذا النوع الأخير، فخيرٌ له وللأمة أن تظل كلماته مدفونة في نفسه، وأن يبحث له عن طريق آخر يخدم بها أمته ولغته". اهـ

إن هذه الكلمات القلائل التي ختم بها الأستاذ زريق بحثه عن الأدب الذي يقود الأمة وشبابها إلى إنقاذ المدنية العربية والإسلامية والشرقية من رَدَغَة الخبال (١) التي تورط أهلها في أوحالها ومستنقعاتها -حقيقة بأن تكون من "محفوظات" كبار الأدباء الذين يرمون عن أقلامهم آراءَ وعقائد وأساليب لا يمكن أن تكون مما يحتملها مخلص لأمته، ينظر إلى المستقبل الذي هو ثمرة الماضي والحاضر، ونتاج اللّقاح الفكري الذي تتقبله عقول الشباب حين تبدأ تتفتح عن أكمامها لتعمل عملها في إنتاج الثمار إما غضًّا شهيًّا وإما فجًّا متعفنًا موبوءًا.

[هل يمكن؟]

فهل يمكن أن يكون أدباؤنا ممن يتقبل النصح الخالص الذي لا تحمل عليه ضغينة أو رياء أو حيلة؟ وهل يمكن أن يعرف أحدهم أن ليس في الدنيا أحد هو أعلى من أن يتعلم، ولا أحد أقل من أن يُعلم؟ وهل يمكن أن تفرَغ النفوس التي تتخذها الكبرياء من الروح النّافشة التي لا طائل تحتها؟

لقد جعلت مقامي في هذا الباب مقام المذكِّر الذي يحب أن يؤدي واجبه لمن يقرأ كلامه، فأنا لا أستطيع إلا أن أتكلم بكلامي وإن أغضَب من لا يرضى إلا بما يرضيه من الملق والدهانِ والمماسحة، وقد انقضت أسابيع طوال من أسابيع الأدب وأنا أزداد كل يوم شكًّا في مقدرة أدبائنا على الإنتاج الأدبي الرفيع


(١) رَدَغَة الخبَال: جاء في الحديث: مَن قال في مؤمن ما ليس فيه حَبَسه الله في رَدَغَة الخبَال، فسَّرها أهل الحديث بأنها عصارة أهل النارِ، والأصل في هذا الحرف: الطِّين والوَحْل.