تأليف "لوثروب ستودارد الأميركي" ترجمة الأستاد "عجاج نويهض" وعليه حواشي أمير البيان شكيب أرسلان. مطبعة عيسى البابي الحلبي سنة ١٣٥٢
أوكس الأمم اليوم حظًّا في التعارف والتآلف، الأمة الإسلامية التي ألَّف الله بين قلوبها وألسنتها بالقرآن حين أنزله على رسوله وأيده ونصره، وجمع للمؤمنين من بعده أطراف الأرض تجبى إليهم ثمراتها وأرزاقها، وجعلهم أئمة يهدون إلى الحق وبه يحكمون. وأنت إذا نظرت إلى العالم الإسلامي اليوم ورجعت إلى تاريخ هذا العالم فيما تصرَّم من أيامه لوجدت تَخَلُّفًا عظيمًا بيننا وبين أولئك السلف الذين هداهم الله إلى أسباب السعادة فاستمسكوا بها واعتصموا بحبلها فجمعهم الله على قلب رجل واحد. فكان الرجل في أقصى الصين تمتد أخوّته إلى أخيه المسلم فيما تَطَوَّح عنه من بلاد المغرب الأقصى، فكان الصينيّ المسلم ينزل أي أمة من الأمم التي تدين بالإسلام فلا يجد الجنسية تفصل بينه وبين العربي أو المصري أو الشامى أو المغربي بل كانوا جميعًا إخوانًا في الله وكانت الدولة في أي أمة من أمم الإسلام تتلقى هؤلاء الناس وتقوم عليهم وتفسح لهم كما تفسح للذين تربوْا في ظلها ونشأوا في أرضها، فكان المسلم من أهل الشام يتولى في بلاد مثل المغرب التدريس والوزارة وكثيرًا من مرافق الدولة أو يقوم عليها. ولا يفرق بينه وبينهم هذه الفتنة السوداء التي ظهرت حديثًا -فتنة الجنسيات. وكانت أخبار كلّ أمة من الأمم الإسلامية معروفة عند جاراتها وغير جاراتها فيما تقاذف من الأرض، هذا مع بطء المواصلات في ذلك العصر، وقلة أسباب الاتصال والتعارف، إذا قيست بما في هذا العصر من بريد وطباعة وطائرات وبرقيات سلكية ولاسلكية وغير ذلك من أسباب الاتصال التي جعلت العالم كله كأنه أمة واحدة. أما اليوم فإن الكثير من شباب العالم الإسلامي لا يكاد يعرف عن أقرب جاراته إليه إلَّا نتفا من الأخبار لا تفي بفائدة، ولا يجتمع من مجموعها