للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الطريق إلى الحق]

كتب الأخ الصديق الأستاذ محمد مندور كلمة في البريد الأدبي الرسالة (٤٨٨) بعنوان "اللغة والتعريب"، عرض فيها مسألتين: إحداهما: مسألة الصواب والخطأ في اللغة، والأخرى: هو عنصر الثبات في اللغة كما سماه. وقد دفعه إلى الحديث عنهما ما كان من تخطئة الأب أنستاس الكرملي إياه في حرف من اللغة استعمله في كلامه، وهو "عثرت بالشيء" وهو يريد "عثرت عليه" وأحبُّ أن أقدم بين يدي كلامي بعضَ ما أعرفه عن "مندور"، قد كنا زميلين في الجامعة، فكان أحد الشبان الأذكياء المدقّقين. وإن فيه من ثورة النفس ما أرجو أن يبقى له على الشبابِ والهَرَم. ثم عرفته من بعدُ مطلعا حريصًا على العلم قليل العِناد فيما لا خطر له، ثم هو لا يزال يدأب إلى الحق في غير هوادة، فكل هذه الصفات تجعله عندي غير متعنّتٍ ولا مكابر، ولكني رأيت الأب أنستاس قد سلك إلى "مندور" طريقًا، فاندفع كلاهما يطاعن أخاه بعنفٍ لا يهدأ. وأنا لا أحب أن أدخُلَ بين الرجلين فيما هما بسبيله، ولكني أحرصُ على أن أدلَّ "مندورًا" على الحقّ الذي كنا ولا زلنا نميل إليه بكُلّ وجهٍ، ونسعى إليه في كل سبيل.

وينبغي لي أن أعرض للكلام على الفرق بين الحرفين "عثرت به" و"عثرت عليه" قبل أن أتحرى إلى "مندور" طريق الحقّ في المسألتين اللتين ذكرهما في كلامه.

فأصل اللغة في هذه المادة "عَثَر يعْثُر عَثْرًا وعِثَارًا"، وهو فِعْل لازمٌ لا يتعدَّى إلى مفعولٍ، ويَأتي هكذا غير مصاحب لحرفٍ من حروف الجرِّ. ولكلِّ فِعلٍ في اللغة مَعْنًى يقومُ بذاته، ودلالات يقتضيها بطريق التضمُّن أو الالتزام.


(*) الرسالة، السنة الثانية عشرة (العدد ٤٩١) نوفمبر ١٩٤٢، ص: ١١٠٣ - ١١٠٦