فقولك "عثر الرجل" معناه "تهيأ الرجل للسقوط": فالمراد بالفعل هو حدوث "حركة سقوط" الرجل، ولا يقصد به السقوط نفسه، أي أنه يدل بذاته على الحركة التي تسبق السقوط. وأما الدلالات التي يقتضيها الفعل فأولها: سبب حركة السقوط، وهذا السبب عقلي محض يتضمنه الفعل ويقوم فيه مقام الفاعل "كالحجر" مثلًا. وثانيها: الفعل الذي فعله هذا السبب وهو "الصدم"، وثالثها: الحالة التي تلحق الرجل من جرَّاء اصطدامه وهي التنبه والتماسك قبل السقوط. أما الدلالة الرابعة. . .
فلو شئت أن تفسر "عثر الرجل" لقلت: "صدم الحجرُ الرجلَ فكاد يسقط"، فكأن "عثر" قامت مقام الكلمات "صدم الحجر. . . فكاد يسقط". وأنت ترى أن "الرجل" هنا هو الذي وقع عليه الفعل (أي المفعول به)، لأنه هو الذي صُدم فكاد يسقط. فلما كتم هذا الفعل "عثر" فاعله الحقيقي -وهو الحجر مثلًا-، وكتم "الصدم" الذي هو فعل الفاعل الحقيقي، نسب فعله إلى الرجل، مع أنه ليس فاعلًا بل مفعولًا به. فهذا يدل على أنه ليس مريدًا للفعل (وهو العثرة)؛ كما يكون مريدًا للفعل في قولك:"قام الرجل" إذ أنه مريد هنا للقيام. وشبيهٌ به قولك:"مات الرجل" و"نام الرجل"، فالرجل هنا -على أنه "فاعل" في عبارة النحاة- ليس فاعلًا في حقيقة المعنى بل هو "مفعولٌ به" لأنه غير مريد في حالة الموت أو النوم.
فإذا صح لديك أن الرجل غير مُريد للعثرة في قولك "عثر الرجل"، رأيت الدلالة الرابعة لهذا الفعل وهي أن الشيء الذي فعل العثرة -وهو الحجر مثلًا- كان صغيرًا لم يتبيَّنْه الرجل، أو لم يتوقع وجوده في المكان الذي كان فيه، فلذلك كاد يسقط على غير إرادة من الرجل لذلك.
وإذا تأملت قليلًا رأيت أن قولك "عثر الرجل" لا يراد به الإخبار عن حدوث الصدم، بل المراد أن تصور هيئة الحركة التي جاءت بعد الصدم، وهي حركة السقوط. ولذلك بني مصدرها على هيئة المصادر التي تدل على عيوب الحركة في أصل الخلقة كالتي تكون في الدابة وغيرها من كل ما يمشي أو يتحرك.