لا أعلم نكبة نزلت بالشرق العربي والإسلامي بلدا بلدا كانت أفحش أثرًا وأشأم عاقبة من نكبة النسيان والغفلة. لقد نسينا نسيانا تاما أن العالم كما هو في الواقع الذي نشهده بالليل والنهار، قد انقسم قسمين: قسم من الأقوياء، يقع الصراع بين قواه حتى يبلغ الحرب العالمية المدمرة، وهو إنما يصطرع ويقاتل، على القسم الثاني من العالم، وهو الضعفاء. والقسم الأول من هذا العالم يرى أنه هو السيد، وأن القسم الآخر هو العبد الذي لا ينبغي أن يطمح إلا بقدر محدود يُعِينه على أن يكون حسن الإنتاج في خدمة هذا السيد. وهؤلاء الأقوياء هم شيء واحد وإن اختلفت أسماؤهم: بريطانيا، روسيا، أمريكا، فرنسا، هولاندة، أسبانيا. وهم إن اختلفوا فيما بينهم، لا يختلفون أبدا على القسم الثاني من العالم، وهو الشرق المستعبد، ينبغي أن يظل كما هو، وأن يتعاونوا جميعا عليه حتى يبقى كما هو، ومن استطاع أن يستعمر بنفسه فعل، ومن لم يستطع فهو يؤازر أخا له على الاستعمار واستعباد الأحرار. أنه شيء معلوم بالضرورة، لأنه ظاهر بين.
بيد أننا ننسى كل هذا، وقد أنشأ المستعمر مثلا مدارسنا بيديه، ووضع لنا برامجها بنفسه وتولى الإشراف عليها حتى نشأ الجيل الذي يستولى به على أداة الحكم كلها، ومنها وزارة المعارف. فنحن نتعلم في هذه المدارس والجامعات وننسى أن أكثر ما يلقى الينا: أما علم "يصرفنا عن التأهب لقتال الغاصب المستعمر" أو علم يقرب ما بيننا وبينه ليكون التفاهم معه أقرب، والاعتدال في عدوانه أدنى وأسرع، ونحن نتكلم عن الاستعمار الاقتصادى ولكننا ننسى فنعيش بهذا الاقتصاد، وفي ظل نظامه الاجتماعي يوما بعد يوم عيشة اللاهي المستمتع، بل عيشة الذي لا يرى الحياة إلا هذا الضرب من الحياة.
إننا ننسى أن هذه الأمم المستعمرة قد نزلت بكل مكان وكل أرض،