بجيوشها تارة، وبسياستها تارة أخرى، وباقتصادها تارات أخر، وبحضارتها في كل ساعة من ساعات الحياة التي نعيشها. فإذا رأينا مثلا حوادث تتتابع وتتلاحق فجأة وفي كل مكان، فِكَرنا في كل واحدة منها هي فِكَرُنا في كل واحدة منها على حِدَة ونسينا الذي وراء الستار، نسينا الدافع الذي في يده أن يدفع، وفي يده أن يمنع. تثور إيران، ويضطرب ما بين الهند وباكستان، وتنشب معارك بين بعض البلاد وإسرائيل، وتتقابل أحزاب السودان وتتشقق، وتضطرب معاني القلق في مصر، ويقتل وزير، ويهلك منصوب على عريق من الذهب البريطاني وتقوم مشكلة دولية مفتعلة كناقلات البترول، وتدور تمثيلية المفاوضات بين انقطاع واتصال، وتظهر فجأة المادة الخامسة عشرة من الدستور، إلى ضروب أخرى من الأحداث في كل ناحية من نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية وتأتي كلها في وقت بعينه، ويشغلنا شيء منها عن شيء، وندور مع هذه الأحداث كما تدور، بلا روية وبلا تفكير.
ما معنى هذا كله؟ لا شيء. إن الشرق العربي والإسلامي، يحاول أو تحاول صحافته على الأقل، أن تفسر كل حدث من الأحداث على أنه أمر مستقل، يجعل عامة الناس يقنعون بأنهم عملوا شيئا، أو استطاعوا أن يعملوا شيئا، أو أنهم أرادوا مجرد إرادة -أن يعملوا شيئا يحقق وجودهم في هذه الدنيا. وقلما تجد من يحاول أن يرتاب في الباعث الذي يحرك كل هذه الأحداث مرة واحدة، ويجعلها في أعيننا متلاحقة متداركة، في أوقات متقاربة ومقرونة بضجة صاخبة طويلة عريضة كمهزلة قضايا الجيش! قل أن تجد من يحاول أن يرتاب أدنى ريبة، لأننا نسينا، وأريد بنا أن ننسى أن الاستعمار أو المستعمر موجود بين ظهرانينا، بجيوشه، وباقتصاده، وبسياسته، وبأسلوب تفكيره الذي ارتضاه لنا، وبحضارته التي بثها فينا واستعبدنا لها، وبأداة حكمه من زعماء ووزراء وأعوان لهم في كل مرفق من مرافق الحياة. وبأنظمة حكمه من دستورية واستبدادية وعرفية! فأي نكبة أبشع، وأي بلاء أفظع من أن تفقد الأرض التي اسْتعبِد أهلها من يحذر الناس ويقول لهم: لا تنسوا، وقبيح بكم أن تنسوا أن المستعمر الخبيث قد اختبأ وراء كل عمل يغركم ظاهره.