للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من صاحب العصور إلى صاحب الرسالة]

أخي الأستاذ الزيات:

السلام عليك ورحمة الله، وبعد فإني أحمد الله إليك وأستعينه وأسأله لك التوفيق والسَّداد. أبيتَ أيها الرجل إلّا كرمًا من جميع نواحيك، فما كدتَ تستقبل العام السابع من عمر "الرسالة" حتى عدت عليّ بفضل من ثنائك وحسن ظنك، فذكرت "العصور" ثم أثنيت فأغنيت.

لقد وافتني كلمتك، وأنا بعدُ أنفض عن يديّ غبار "العصور" وأتخفف من أثقالها التي حملتها راضيا غير كاره، لأنقلب إلى هذه الغرف العزيزة التي نشأت في حجور الشيوخ من سكانها أستخبرهم علم ما أجهل، وأستنبئهم أخبار ما مضى، لأستوحِيَ الظن فيما يستقبل، وأجدّد بعاديِّ (١) قوتهم قوة النفس التي لا تهدأ ولا تنام.

لابد من كلمة -أيها الشيخ الجليل- وقد كان الصمت أولى بي وأحبّ إليّ. لابدّ من كلمة أعتذر بها للذين استقبلوني بفرحة المحبّ أمتع باللقاء على غير ميعاد. فأنت تعلم أني يوم عزمت على إصدار "العصور" لم أكن قد أعددت لها من مال إلا ما ادخرته في نفسي من جهد أعوام طالت في معاناة العلم والأدب، وبقية من خلق ضننت بها أن تذيع في أطرافها ونواحيها مهزعات العصر الحديث التي صرّفت الأخلاق في وجوه الغي والضلال، وأطلقت دنيَّات الغرائز من عقال الشرائع، وأرسلتها ترعى حمى أبى الله ورسوله أن يكون مرعى لمن آمن بالله واليوم الآخر.

ولكن لابد من مال مَشكوك معترف به، مصدّق على الاعتراف به من "محافظ البنك الأهلي"، وإن قليل ما عندي من هذا المال لا يغني غناءه في


(*) الرسالة، السنة السابعة (العدد ٢٨٧)، ١٩٣٩، ص: ٦٧
(١) العادي: نسبة إلى قوم عاد، والعرب تنسب إليهم كل ما هو قوِي وعظيم وقديم.