للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بين الرافعي والعقاد

- ٥ -

" تحرقك النار أن تراها، بله أن تصلاها"

منذ تسعمائة سنة قال الخفاجي حين ذكر البلاغة:

"لم أر أقل من العارفين بهذه الصناعة، والمطبوعين على (فهمها) و (نقدها) مع كثرة من (يدعي) ذلك، ويتحلى به، وينتسب إلى أهله، ويماري أصحابه في المجالس، ويجاري أربابه في المحافل. وقد كنت (أظن) أن هذا شيء مقصور على (زماننا) اليوم، ومعروف في (بلادنا) هذه، حتى وجدت هذا (الداء) قد أعيا أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدي، وأبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ قبله وأشكالهما حتى ذكراه في كتبهما، فعلمت أن (العادة به جارية)، و (الرزية فيه قديمة). ولما ذكرته رجوت الانتفاع به من هذا الكتاب، أملت وقوع الفائدة به، إذ كان (النقص) فيما أبنته شاملًا، و (الجهل) به عامًّا، والعارفون به قُرحة الأدهم (١) بالإضافة إلى غيرهم، والنسبة إلى سواهم".

* * *

ومع ذلك. . . فالأستاذ سيد قطب أحد (الأخصائيين! ! ) في اللغة التي نعبر بها.

عاد الأستاذ الفاضل سيد قطب بحديثه عن الرافعي، ثم عقب عليه بالحديث عني وعما كتبت في الكلمات السالفة. وكنت عزمت أن أدعه حتى يشفى ذات صدره من الرافعيّ ومني؛ وكنت أجمعت الرأي على أمر، ثم هأنذا أتحلل من عزيمتي. . . ومرة أخرى أقول كما قلت في الكلمة الأولى: إني سأتولج فيما لا أحب. . لا كرامة للأستاذ أو استجابة لدعائه بل لميط الأذى. . . . بل لميط الأذى حسبُ.


(*) الرسالة، السنة السادسة (العدد ٢٥٧)، ١٩٣٨، ص: ٩٣٣ - ٩٣٥
(١) القُرْحَة: بياض يسير في وجه الفَرَس، وهي دون الغُرَّة. والأدهم: الأسود. وقرحة الأدهم تضرب مثلا للشيء العزيز.