اطلعت على الكلمة التي نشرت في هذا العدد تعليقًا على مقال لي عن كتاب الدكتور طه حسين عن الفتنة "الكبرى" فلما قرأته آثرت أن لا أضيع على قراء الرسالة صفحات في نقد كلام الدكتور شوقى ضيف، فعجلت بكتابة هذه الكلمة.
وليأذن لي الدكتور طه حسين أن أوجه الكلام إلى الدكتور شوقى ضيف، في بعض ما جاء في رده عليَّ.
فأول ذلك أن الدكتور شوقى قد أطال في كلام أكثره موجود في كتاب الدكتور طه. كأنه أراد أن يشرحه، وكان وكنا في غنى عن مثل هذا الشرح.
والثانية أنه أطال أيضًا في الأسباب الموجبة لنفي قصة عبد الله بن سبأ، ونحن لم نقل أننا نثبتها برواية الطبري وحسب، بل قلنا إن الدكتور طه زيف القصة بأسباب لا تستقيم، وهذه الأسباب مذكورة في مقالى ولم يتنبه الدكتور شوقى إلى ضعفها وتهافتها. أما إثباتنا لها فسيأتي فيما بعد بطريق آخر غير الذي ظنه الدكتور ضيف.
والثالثة أنه ذكر عن ياقوت شيئًا في شأن تفسير الطبري وتاريخه، وهو أن الطبري روى في تاريخه أشياء عن رجال ليسوا بثقات، وأنه لم يرو عنهم مثل ذلك في تفسيره لمكانهم من التهمة في رأيه، وشرح ذلك أن للطبري رأيًا في قوم ليسوا بثقات، فنزه التفسير عنهم لأنه أمر دين تجب فيه الحيطة الشديدة؛ أما التاريخ فليس لمثل هذه الحيطة فيه مكان. وموازين المحدثين والمفسرين في رد الرجال وتجريحهم لا يمكن أن تطبق على أهل التاريخ وسواهم من أُدباء ورواة. ولو صح ذلك لأسقطنا رواية التاريخ كله، ورواية الأدب كله، ورواية اللغة كلها، وأظن أن
(*) الرسالة، السنة السادسة عشرة (العدد ٧٦٣)، فبراير ١٩٤٨، ص: ٢١١