للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مقاليد الكتب]

[١ - ابن خلدون: حياته وتراثه الفكرى]

(تأليف محمد عبد الله عنان -مطبعة دار الكتب العربية- سنة ١٣٥٢ وسنة ١٩٣٣)

نشأ ابن خلدون في بيت من بيوت المجد قد نزح من الأندلس الجميل إلى تونس الفيحاء، ونما في بيت من العلم والرياسة، والشرف والسياسة، وصبغ بصبغة الجيل الذي عاش فيه، فلما استوى على سوقه وجد ما بين يديهِ من دول الأندلس والمغرب كالنساء الضرائر، لا تفتر واحدة عن الكيد لصواحباتها. وكان صدر هذا الشاب (ابن خلدون) يغلى بأمانيهِ وأوهامِهِ ومطامعهِ، فرأى فيه أهلهُ ومن يحيط بهم من أهل الشرف والرياسة، وهو في سن العشرين، بارقة من النبوغ والعبقرية والسيادة، وتداول الناس أمره حتى سمع بهِ أبو محمد بن تافراكين فاستدعاه لكتابة (العلامة) (١) عن السلطان أبي إسحاق فكان ذلك أول اتصاله بالحياة السياسية في دول المغرب والأندلس، والتي خاض (ابن خلدون) فيما بعد غمرتها وتلظى بها وأصلى فيها أو شبَّ نيرانها، وكان لها في تاريخ حياته أثر بيّن، حبيبٌ حينا وبغيض أحيانًا. ومكث ابن خلدون في عمله هذا حتى نزعت به همته إلى الرحلة من تونس سنة ٧٥٣ إلى (قَفْصَة) ثم إلى (بسكرة) فنزل ضيفًا على صاحبها (يوسف بن مزنى) ومن هناك قصد الرحلة إلى (أبي عنان) بتلمسان ولكنهُ لم يمض في طريقه حتى لقيه (ابن أبي عمرو) صاحب (بجاية) فصرفه عن أبي عنان وحمله معهُ مكرّما إلى (بجاية) فكان فيها حديث الناس حتى بلغ ذكره (أبا عنانٍ) وكان لهُ مجلس من العلماء فرأى أن يستدعي (ابن خلدون) لما بلغه عنه فحمله على خير محمل سنة ٧٥٥ وأتمَّ بهِ مجلس العلماء واختصه بالكتابة


(*) المقتطف، المجلد ٨٤، يناير ١٩٣٤، ص: ١٠٩ - ١١١
(١) ذكر (العَلَامَةَ) الأستاذ عنان في كتابه ولم يفسّرها. وكان الأَوْلَى تفسيرها، لأنها شيء قد دَرَس، قلّما يفهم أحد ما يُعنى بها. والعَلامَةُ عندهم في ذلك العصر هي "الحمد لله والشكر لله" تُكتب في كتاب السلطان أو مرسومه بالقلم الغليظ بين البسملة وما بعدها من الكلام (شاكر).