للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[قضى الأمر. . .]

قضى الأمر، وانتهت الحكومة القائمة عن ترددها، وألفت الوفد الَّذي سيذهب إلى مجلس الأمن ليعرض موضوع الخلاف الَّذي بيننا وبين بريطانيا. وعن قليل سيسمع العالم كله لقضية مصر والسودان، ويصغى إلى حجتنا التي ستلقى إليه، وإلى حجج بريطانيا في دفاعها عن الَّذي تدعيه. ولو كان الأمر أمر عدل وإنصاف وبعد عن التحيز وأنفة من الظلم، لما بالينا أن ندعو حكومتنا أو شعبنا إلى خطة سوى عرض القضية كما هي، بلا حاجة إلى تتبع سوءات بريطانيا وعورات أفعالها. ولكن لا عدل ولا إنصاف، بل هو التحيز والظلم. هذا ما ينبغي أن نتوقعه بعد الَّذي كان من موقف الأمم الغربية والأمة الروسية من أعظم قضايا الشرق وأوضحها برهانا وأبينها حجة، أعنى قضية فلسطين.

ولسنا نقول هذا تثبيطًا لوفدنا أو لشعبنا؛ كلا فإن القضية المصرية السودانية قضية للجهاد لا للسياسة. فلنفرض أن الأمم ظلمتنا وتحيزت لبريطانيا فجارت علينا وضلعت (١) معها فلن يضيرنا ذلك، بل هو الداعي الأعظم إلى الاستماتة في الجهاد إلى أن ننال حقنا غير منقوص ولا مهتضم. ولكن هذا الأمر المخوف أو المتوقع يوجب علينا أشياء لا مناص لنا من المحافظة عليها والحرص على أدائها.

فقد كان من سياسة بريطانيا قديمًا أن تمزق وحدة هذا الشعب وتوقع بين أبنائه العداوة والبغضاء وقد فعلت، فصارت أحزابنا أحزابًا تسيِّرها شهوات رجال يتطلعون إلى مناصب الحكم كما يتطلع الظمآن إلى الماء أو سراب الماء وكان من سياستها أن تلاين وتساير حتَّى يصبح السودان شيئًا قائمًا بذاته أو كالقائم بذاته، ففعلت. وكان من سياستها أن تغرى شهوات قوم من أهل السودان بالحكم


(*) الرسالة، السنة الخامسة عشرة (العدد ٧٢٦)، يونيو ١٩٤٧، ص: ٦٠٨ - ٦٠٩
(١) ضلعت معها: مالأتها وساندتها.