كلمة تقديم لعلامة الجزيرة المرحوم الشيخ حمد الجاسر
[بلية البلايا في تراثنا القديم، التصحيف، وخاصة في أسماء المواضع، حيث لا توجد قرينة في الكلام توضح الوجه الصحيح، ولا أستثنى من ذلك سوى ما استثناه الله جل وعلا وهو القرآن الكريم، حيث قال جل ذكره:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فحفظه الله من كل ما قد يؤثر في بقائه على أصله الصحيح، الَّذي أنزله عليه.
أما ما عداه -مما لا يتصل بأصول الدين الحنيف- فحسب الباحث أن يرجع إلى أي كتاب من الكتب القديمة، ليرى العجب العجاب من بلايا التصحيف في أسماء المواضع، ففي "صحيح البخاري" -وهو أصح كتاب بعد كتاب الله، أشياء من ذلك يجدها الباحث في اختلاف رواة ذلك الكتاب العظيم في اسم "العشيرة" الموضع الَّذي غزاه المصطفى، عليه الصلاة والسلام، وفي غيره من المواضع، وفي كتب سيرته - صلى الله عليه وسلم - لابن إسحاق، بتهذيب ابن هشام، و"طبقات ابن سعد" وغيرهما من المؤلفات، مما نكتفي بالإشارة إليه، إذ لا يتسع المجال للحديث عنه. وحسب القارئ أن يطلع على بحث أستاذنا العلامة الجليل أبي فهر، محمود بن محمد بن شاكر، هذا البحث الَّذي نقلل من قيمته حينما نقدمه للقارئ- حسبه أن يطلع على هذا البحث الممتع حقًّا، ليدرك كيف يسير بعض علمائنا -قدس الله أرواحهم- في بيداء من الأوهام والحيرة، من جراء ذلك الداء الوبيل، داء التصحيف والتحريف! وهم -أعلى الله ذكرهم في منازل الأبرار من عباده- لا يضيرهم أن يوصفوا بعدم الإحاطة، ولا يضرهم أن لا يوصفوا بأكثر مما يتصفون به من علم غزير، وخلق سام كريم، يتلاءم مع ما وهبهم الله، وما وصفهم به، لأنهم أرفع قدرًا، وأعلى مكانة من أن
(*) مجلة العرب، الجزء التاسع - السنة الثانية، ربيع الأول ١٣٨٨ هـ، ١٩٦٨ م. ص ٧٦٩ - ٧٩٧