صاحب الكتاب طريقة جمع الوثائق التاريخية كلها. إلَّا قليلًا مما لم تصل إليهِ اليد أو ما طوتهُ الضرورة. ولعل الطبعة الثانية لهذا الكتاب ستكون إن شاء الله أوفى وأتمّ وأوسعَ، فإن نقص القليل من وثائق التاريخ يلدُ خطأً كثيرًا في التاريخ، وبخاصة قى تاريخ الحجاز الذي لم نجد أحدًا من أهله دوّن عن عصوره القريبة شيئًا يعتمد عليهِ أو يرجع إليهِ مع أنهُ مناط آمال كثير من دعاة الجامعة العربية، وموئل من موائل الحرية، ومشعر من مشاعر الله التي تضم أشتات الأمم وأخياف الناس فتؤلف بين أبدانهم كما ألَّف الله بين قلوبهم بالإيمان.
ونحن نقدّر جمع الوثائق التاريخية تقديرًا أكبر من غيره مما يكتب في التاريخ، وذلك لأن تصرُّف المعاصرين لعهد من العهود يوجّه التاريخ إلى وجوه ملتوية إذ يكون العامل المؤثر فيها هو الهوى والعصبية والميل إلى فئة من الفئات، وهذا عمل غير صالح يضع الخلف قى مضطرب واسع لا يستطيعون فيه تحقيق التاريخ على وجه الصواب. ولذلك كان التاريخ العربي القديم على كثرة الرواية فيه واضطرابها أحفل التواريخ بالمادة التي تهدى إلى الحقيقة في تاريخ عصر من عصوره. وليس يعتمد التاريخ على فصاحة المؤرخ وبلاغتهِ وحسن أدائهِ، بل العمدة فيه المادة التي يحشدها المؤرخ في بيانِه عن عصر يؤرخُه، ثم قدرة هذا المؤرخ على حسن الأداء، ودقة الوضع التي يؤلف بها بين الروايات بعد تصحيح ما صحّ منها وتزييف ما زُيف. و"ماضي الحجاز وحاضره" سيكون مادة عظيمة للمؤرخ الذي ينزع الهمة يومًا ما لتاريخ الجزيرة العربية في عصر النزاع بين الحسين وابن سعود، ذلك العصر الذي كان فاصلًا بين شكلين من الحياة والفكر، لا يزال الناس في شكٍّ من ترجيح أحدهما على الآخر.
[الوحي المحمدي]
تأليف الأستاذ الجليل السيد محمد رشيد صاحب المنار - مطبعة المنار سنة ١٣٥٢
من أجلّ النعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة العقل، وأجل ما ينعم بهِ على هذا العقل بساطة التفكير والرجوع فيه إلى الحرية والإنصاف والاعتدال