للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من مكانها بالاعتناف والقسر فوضعت في جو غير جوها فاختنقت فمات ما كان حيا من بيانها في الأصل الذي انتزعت منه.

وهكذا. . . هكذا كل شيء تأخذه العين أو يناله الفكر، إنما هو دعوى ملفقة وتقليد مُسْتَجْلَبٌ وبلاءٌ من البلاء. ولا نزال مقلدين حتى يستطيع الأحرار -وهم قلة مشردة ضائعة- أن يبسطوا سلطانهم على الحياة الاجتماعية كلها، ويردوا إلى الأحياء بعض القلق الروحي العنيف الذي يدفع الحي إلى الاستقلال بنفسه والاعتداد بشخصيته، والحرص على تجديد المواريث التي تلقاها من تاريخه، ويغامر في الحضارة الحديثة بروح المجدد لا بضعف المقلد، فعندئذ ينتزع من الحضارة الأسباب التي تنشأ بقوتها الحضارات، ولا يكون موقفه منها موقف المسكين الذليل المطرود من المائدة. . . ينتظر وفي عينيه الجوع ليتقحَّم من فتاتها (١).

[صورة النفس]

عرضت لي مقالة في مجلة الثقافة عدد (٥٤) عنوانها "الأدب صورة النفس" كتبها الأستاذ "محمد مندور"، وقد استوقفني عنوانها قبل أن أقرأها، لأن هذه هي الحقيقة التي نقولها ولا نصل فيها إلى حق. وقد تغاوى (٢) النقاد عليها ومع ذلك فما تظفر من أقوالهم إلا بالمُبهم بعد المُبهم، ولا نجد لأكثرهم شرحًا لها يفي بمدلولها أو بسرها أو يزيل الإبهام عن مسالكها. . . يقول الأستاذ: "وإذن، فالآثار الأدبية والفنية تطلعنا بغير تحفظ على أسرار واضعيها النفسية بأسلوبها الخاص. . . ونحن نقصد بذلك إلى البحث عن نفس الكاتب والشاعر في تضاعيف ما يكتب. . . وعمل الناقد إذن عمل كشف عن أسرار لا تقع تحت البصر لأول نظرة، وسبيله إلى ذلك لا يمكن أن يكون إلا حسًّا باطنيًّا ترهفه التجارب والمعرفة الطويلة بمختلف النفوس. . . .". وكل هذا جيد من القول،


(١) تَقَحَّم الأمر: رمى بنفسه فيه على غير رويّة.
(٢) تغاوى النقاد عليها: أي تناولوها واحدا بعد الآخر، وتقال أيضًا بالعين المهملة.