تأليف: الأستاذ عباس محمود العقاد المكتبة التجارية الكبرى بمصر، مطبعة الاستقامة في سنة ١٣٦١ هـ، ١٩٤٢ م عدد الصفحات ٤٦٠
"وكتابى هذا ليس بسيرة لعمر، ولا بتاريخ لعصره، على نمط التواريخ التي تقصد بها الحوادث والأنباء ولكنهُ وصفٌ له، ودراسةٌ لأطواره ودلالة على خصائص عظمته، واستفادة هذه الخصائص لعلم النفس وعلم الأخلاق وعلم الحياة. فلا قيمة للحادث التاريخى جلَّ أو دقَّ إلَّا من حيث أفاد في هذه الدراسة، ولا يمنعني صغر الحادث أن أقدّمهُ بالاهتمام والتنويه على أضخم الحوادث، إن كان أوفى تعريفًا بعمر وأصدق دلالة عليه.
"وعمر بعدُ رجل المناسبة الحاضرة في العصر الذي نحن فيه، لأنهُ العصر الذي شاعت فيهِ عبادة القوة الطاغية وزعم الهاتفون بدينها أن "البأس" و"الحق" نقيضان. فإذا فهمنا عظيمًا واحدًا كعمر بن الخطّاب، فقد هدمنا دين القوة الطاغية من أساسه لأننا سنفهم رجلًا كان غايةً في "البأس"، وغاية في "العدل"، وغاية في "الرحمة". وفي هذا الفهم ترياق من داء العصر يشفي بهِ من ليس ميؤوس الشفاء".
هكذا قدَّم العقاد بين يدي كتابهِ وهو أتم قول في البيان عن مبنى كتابه وعن منحاه وعن غرضه الذي رمى إليهِ في كل فصل من فصوله. فأنت تقدم فيه بعينيك ورأيك وعقلك على رجل قد استوى واستَحْصد. لا تجد ذكر أولية ولا ميلادٍ ولا نشأة، ولا من كان أبوه ولا من كانت أمه، وإنما هو "عمر بن الخطاب" وحدهُ الذي تلقاه. ثم تجول فيه فلا ترى تاريخًا ولا موقعة ولا فتوحًا ولا أعمالًا ولا حوادث، وإنما ترى "رجل" التاريخ والموقعة والفتح والعمل والحادثة قد
(*) المقتطف، المجلد ١٠١، ديسمبر ١٩٤٢، ص: ٥٣٤ - ٥٣٨