امتثل لعينيك قوَّة وفكرًا وعقلًا وتدبيرًا وجنانًا، وهو الرجل. . . هو عمر بن الخطاب.
وعمر -ككل رجل في التاريخ- قد ترك للناس أعماله وخرج منها لتكون شاهدةً عليه، أحسن أو أساءَ، وليس أحد بأكبر من أن يسئ. وقد وقع في تاريخ عمر بعض ما يمكن أن يترجَّح الرأي فيه إلى جانب الإساءَة، وإذا كان ذلك، فإن عمل الكاتب -إذا أراد أن يؤدى الأمانة التي استحفظ عليها- أن لا يدع شاردةً من الحوادث إلَّا اعتبرها ووزنها واستخرج منها ما يقيم له وجه الرأي، فإن من ظلم الظالمين أن تحكم بالإساءَة، على رجل قد أكثر من الإحسان حتى عُرف به. وليس يستقيم وجه الرأي في مثل هذا إلا بعد تمحيص يخرج بك إلى القدرة على معرفة النية التي انطوى عليها صاحب العمل فيما عمل. ولست تصل إلى معرفة النية في العمل حتى تتمثل الرجل بجميع خصائصه ومناقبه، وأطواره ومثالبه، ثم لا تزال توازن بين ما يجتمع لك حتى تعرف الحدود التي يقف عندها في كل أمر من أموره أو عزيمة من عزائمه، وحتى يتبيّن مقدار الطاقة في كلّ قوةٍ من قُواه، وكيف تسيلُ، وإلى أين تتَّجِه، ولم تنحرف إلى غير ما يظنُّ بها.
فإذا عرفتَ ذلك وأطقته، فأنتَ -بَعدُ- على الطريق. . . وإذا الشيءُ يفسِّرُ الشئَ وقد ظُن أنهُ يعارضهُ، وإذا الحادث يحقق الحادث وقد خيِّل أنهُ يناقضه. وبذلك يخرجُ الكاتب من جملة "الكتاب المنصفين! ! " -كما قال العقاد- الذين تعوّدوا "أن يحبذوا وينقدوا، وأن يقرنوا بين الثناء والملام. . . فإن لم يفعلوا ذلك فهم إذن مظنة المغالاة والإعجاب والتحيز".
ويكفي العقاد فخرًا أنه حطَّم بهذا الكتاب تلك الهياكل البشعة الموبوءة التي يتعبَّد أهلها بكلمات مريضة كالإنصاف والتحقيق العلمي، ثم يرمون من سواهم بالإغراق والمبالغة والمغالاة والتعصُّب إلى آخر ما يملكون من كَلِمٍ. ولم يكن تحطيمه لها إلَّا بقوةٍ من العقل والمنطق والاستقصاءِ والمراجعة، حتى يخيل إليك إنه لم يدَعْ شيئًا يمكن أن يؤتى به في الحجة والدليل إلَّا أتى به بينًا كأحسن البيانِ لمن شَرَح بالعلم صدرًا ولم يعاند فيهِ عنادَ من لا يعقل. ولذلك لم يحجم عن أن