يستطع أن يزيف ولو مرة واحدة كل ما رواه في كتابه عن معاوية وعن أبيه، وعن أمه، وعن يزيد وعن بني أمية، وعن عمرو بن العاص، بأنه مما أشاعه وأذاع به أعداؤهم وأعداء بني أمية؟ أو ليس صريح العقل يقتضي أن يكون المهزوم المقهور، أحرص على ذكر مثالب عدوه ومعايبه، من الغالب المنصور على ذكر مناقبه وفضائله!
ألا إن هذا الكاتب وأشباهه من أصحاب الألسنة الجريئة على الحق، يرتكب كل صعب وذلول في سبيل تحقيق معان تدور في نفوسهم، لا يجدون لها متنفسًا إلا في الهالكين الذين لا يدفعون عن أنفسهم، وهم لا يبالون في سبيل ذلك بتحقيق ولا علم، ولا بتمييز صحيح من سقيم، ولا يتخطفون من الكلام إلا ما قارب ما يريدون في أنفسهم أن يقولوه، ولا يعرفون للحجة حرمة، ولا للبرهان كرامة. وهم يتناولون ما يعرضون له من تاريخ أسلافهم، بل من أمر صحابة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - بنفس الأسلوب الذي انحدر علينا من حضارة هذا القرن، في أدب منازعات الصحف والأحزاب. أسلوب يراد به تحقيق معاني العداوة وتقريرها في النفوس، لا أسلوب تحقيق مواطن الخلاف والكشف عنها بالبيان والبرهان. وهم يريدون أن يجعلوا هذا الأسلوب علمًا وتاريخًا. بل يريدون أيضا أن يجعلوه دينًا يتدين به الناس ليوم الفصل. وما أدراك ما يوم الفصل؟ {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}.
[جرأة العلماء. . .]
دخل عمرو بن عبيد على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور وكان أعظم ملوك الدنيا في عصره فقال:
يا أمير المؤمنين: إنّ الله -عز وجل- يَقفك ويُسائلك عن مثقال ذرة من الخير والشر، وإن الأمة خصماؤك يوم القيامة، وإن الله -عز وجل- لا يرضى منك إلا بما ترضاه لنفسك؛ ألا وإنك لا ترضى لنفسك إلا بأن يُعدل عليك فإن الله -عز وجل- لا يرضى منك إلا بأن تعدل في الرعية. يا أمير المؤمنين إن وراء بابك نيرانا تتأجج من الجور، ووالله ما يحكم وراء بابك بكتاب الله، ولا بسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.