أجلت قضية مصر والسودان في مجلس الأمن إلى يوم الثلاثاء التاسع من سبتمبر سنة ١٩٤٧، بعد أن تمتعت بريطانيا بالخذلان الذي كان مثله أبعد شيء عن بالها منذ عشرات سنوات وحسب. فقد تعودت بريطانيا أن تأمر أو تدسَّ فيطاع أمرها أو دسُّها، وتخرج ظافرة من كل معركة تدور بينها وبين أمة من الأمم التي ابتليت بشرها الذي لم تنطفئ له جمرة منذ نجمت قرون هذه الدولة في تاريخ العالم الحديث. ونحن نسأل الله أن يتمَّ الخيبة على هذه الدولة الطاغية بانهيار نظامها الاقتصادى، ليخلص العالم من الأخطبوط الفاجر الذي ضم في أحشائه وبين جوارحه دولا برمّتها من الهند إلى العراق إلى مصر والسودان إلى جنوب أفريقية -إلى عالم كان يتمدّحُ شعراؤها بأن الشمس لا تغيب عن ملكه، وأنها هي التي حملت أمانة الجنس الأبيض و (عبءَ الرجل الأبيض) في تحضير الأجناس الملونة، أي استعبادها وظلمها، وإغراء فرنسا وبلجيكا وهولندة وسواها من أقزام الدول باستعباد جزء من هذه الشعوب، تسومها الخسف بكل نذالة تدخل في طوق هذه الأمم.
إن مجلس الأمن هو اليوم بين اثنين: إما أن يُشهد العالم كله على أنه أقيم على حق، وأنه حافظٌ وازعٌ ينهي الطغاة عن الإيغال في طغيانهم، وإما أن يشهد العالم كله على أنه سوق حديثة للرقيق والنخاسة أقيمت لتتاجر بعباد الله بلا حياء ولا ورع. فكان تأجيل قضية مصر في هذه المرة، بعد المناقشات التي دارت فيه دليلا على أن مصر والسودان قد استطاعت شيئًا ما أن توقظ طرفًا من ضمير هذا المجلس، ومن ضمير الأمم التي اشتركت فيه، واستطاعت أيضًا أن تجعل بريطانيا مغمورة في ركام الفضائح والفظائع التي ارتكبتها في مصر والسودان، والتي تصر على المضي في ارتكابها بكل جرأة لا تستحى.
(*) الرسالة، السنة الخامسة عشرة (العدد ٧٤٠)، سبتمبر ١٩٤٧، ص: ٩٧٢ - ٩٧٤