تأليف "أحمد أمين" الأستاذ بكلية الآداب بالجامعة المصرية - أخرجته لجنة الترجمة والتأليف والنشر بمصر
من أجلّ الكتب العربية التي أخرجت للناس في هذا العام كتاب "ضحى الإسلام"، وصل بهِ صاحبه الأستاذ "أحمد أمين" ما كان بدأ في كتابه "فجر الإسلام"، وبه نقع المؤلّف غُلّة شقىَ بها أدباءُ هذا العصر زمنًا طويلّا، ويخيَّلُ إليَّ أن الأستاذ "أحمد أمين" رجل قد أوتى من الصبر والجَلَد والمثابرة وقوة العزم ونشاط الفكرة نصيبًا وافيًا سابق به المجتهدينَ من أهل عصره حتى سبقهم وأربى عليهم. وعامة الناس لا يعرفون ماذا يلقى الباحث في التاريخ العربي والأدب العربيّ من عناءٍ وعنتٍ يبلغان منهُ الجُهْد. فالباحث إن لم يؤتَ مثل ما أوتى هذا الرجل انقلب إلى نفسه بأخسّ النصيبين وأوكس الحاجتين. ذلك بأن التاريخ العربيّ خاصة قد انفرد دون ما دوّن من تواريخ الأمم الخالية بالنقص في ناحيتين: أولاهما، انطمار آثار جاهلية الجزيرة العربية في اليمن والعراق والحجاز والشام وخُفُوتُ أخبارها وقلّةُ ما دُوِّن منها على تشتتهِ في كتب الأدب وكتب التاريخ، والأخرى، اعتماد المؤرخ العربي على الرواية فلم يعنَ بالتعليق عليها وتوضيح ما غمض من أسرارها. ونعتقد أنهم كانوا يستطيعون ذلك لو تعمدوه، وقد تبيَّن هذا لنا مما نراه لهم من القول في ترجيح رواية على رواية إذا التبس الأمر. وثالثة لا ذنب للتاريخ ولا للمؤرخ فيها، تلك هي ضياع أكثر الكتب العربية التي ألفت في عصر الرشيد والمأمون أو عصر تدوين العلم. وابتلينا نحن من بعد ذلك ببليتين: أولاهما أنْ لم يُنْتَدَبْ أحد من أهل هذه اللغة إلى التنقيب عن آثار هذه الأمة العربية التي طويت في أرضها بين يَمِنها وشامها وحجازها وعراقها ومصرها ومغربها وما سوى ذلك، والأخرى، أن لم يخفَّ أحدٌ إلى دراسة كتب العرب ولمّ شتاتها واستخراج ما خفي من أساليب العرب وأحوالها وعاداتها في الاجتماع