بحق نوعا من التفريغ في العقل العربي المعاصر، وتجعل القارئ العربي الذي لم يعد يكتفي بتكوين معارفه الثقافية، من كتابة ما يكتبه الأستاذ شاكر وأمثاله، تجعله حائرا متشككا غير قادر على المقارنة بين فكر رافض لا يقوم على أساس من البحث والتمحيص، وبين فكر لا يتوقف عن الجدل حول أغلب الأفكار المطروحة من قبل العصر، بين الدعوة إلى الغربة الروحية والعقلية، وبين الاكتفاء بالخواء العقلي والروحي".
وأنا قد نقلت هذا الكلام بنصه، لأنه كلام لا يحتمل التجزئة، لتناسقه أولا، ثم لأنها عادتى في وضع النصوص بين يدي من يقرأ كلامي، بلا عبث، بلا تحريف. عادة يعرفها عني كل من قرأ ما أكتب.
[في الطبعة الجديدة "للمتنبى"]
وقبل كل شيء، فليس من عادتى أيضا أن أرفع الناس فوق منازلهم، ولا أن أضعهم دون منازلهم، لا نصا بكلام أكتبه، ولا استنباطا يمكن أن يستنبطه قارئ لما أكتب، إلا أن يتوهم متوهم أشياء، فأنا بالطبع غير مسئول عن هذا التوهم. كل ما أملك هو قلم أعبّر به عن رأي أكتبه، أكتبه بألفاظ محددة صريحة، بلا رموز ولا إشارات ولا مخاتلة. هذا كل ما أملك، وهذا كل ما سأفعله هنا الآن، لأنه غاية قدرتى.
فإذا جاء كاتب، كالدكتور المقالح هذا يقول إني أتهم الدكتور طه بتهمة تعطيه من التأثير أكثر مما تعطى للاستعمار والصهيونية وقوى التخريب المختلفة، وتمنحه قدرة خارقة لم تكن عفاريت الأساطير تملك بعضًا منها فهذا الجائى، بلا شك عندي، لم يقرأ لي شيئا قط، أو قرأ ولم يفهم، أو فهم شيئا عن طريق التوهم، لا عن طريق الاستنباط من لفظى وكلامى. فأنا قد عرفت الدكتور طه وقرأت له منذ كنت صغيرا في الرابعة عشرة من عمرى سنة ١٩٢٣ م، إلى أن توفي سنة ١٩٧٣ م، عرفته قارئا وتلميذا له في الجامعة، ثم رجلا بيني وبينه من المودة، مع بعد الشقة بيننا والاختلاف، زمنا أطول من مدة القراءة والتلمذة. فليس إذن بمستساغ ولا معقول أن أخالف عادتى فأرفعه فوق منزلته عندي،