الإسلامية وجعلتها تنزل عن المرتبة الأولى التي كانت لها في تاريخ الحضارات السالفة التي سبقت الحضارة الأوربية لهذا العصر. فلما هجمت علينا الحضارة الحديثة من أوربا بعواملها المختلفة، وسياستها القوية التي تغلبت على كل سلطان في الشرق، ثم اندست العوامل الغربيّة في الأمم الإسلامية، وعملت الأيدي العدوَّة عملها في تمزيق الروابط بين طبقات الشعب. . . رجع الأزهر إلى غيله يستتر فيه، وقبع أهله عن صراع الحياة الجديدة صراعًا يراد منه الظفر، وكذلك سار الناس ناحية وسار الأزهر ناحية أخرى، وكان ذلك أول البلاء على الأزهر وعلى الشعب نفسه!
[إصلاح الأزهر]
وقد أحس كثير من المصلحين من أهل الأزهر وغير أهله -ممن يعرفونه أصلًا كبيرًا في الحياة المصرية والعربية والإسلامية- بما تقتضيه طبيعة الموقف الذي صار إليه في هذا العصر، وبما توجبه حقيقة الدين الإسلامي، فهبوا إلى إصلاحه والنظر في شأنه مرة بعد مرة. وكان العمل لذلك شاقًّا كثير المتاعب غير قريب المنافذ، فاضطربت الأيدي واختلفت الأغراض، وسار هذا الزمن السريع بقوة واندفاع، لا يملك معه المصلح الانطلاق في آثاره على مثل سرعته واندفاعه وكذلك لم يزل الأزهر الآن في منزلة غير المنزلة التي يوجبها له قيامه ألف سنة على التاريخ الفكري والثقافي والعملي في الحضارة الإسلامية.
وقد كتب الأستاذ "الزيات" -في فاتحة العدد الماضي من الرسالة- كلمته الجليلة "في سبيل الأزهر الجديد" يطالب الأزهر بالرجوع إلى المنابع الأولى للدين واللغة والأدب والعلم. وحُبُّ "الزيات" للأزهر، ورغبته في المبادرة إلى علاج الأدواء التي تلبست به من أمراض الأجيال السابقة، هي التي حملته على أن يكتب كلمته لتظفر مصر "بجامعتها الصحيحة التي تدخل المدنية الغربية في الإسلام، وتجلو الحضارة الشرقية للغرب، وتصفّي الدين والأدب من شوائب البدع والشبه والركاكة والعجمة".
نعم إن الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر لم يقصّر في اجتهاده أن يجعل