أصل علم "أصول الشريعة". والثالث في تاريخ الأندلس، وشعرائها، وبلغائها، وكتابها. فالذي حملنا على جمعها في باب واحد من كلامنا هو الرأي في المستشرقين، وما يجب علينا أن نتابعهم عليه، وما ينبغي لنا أن نحذره منهم.
[المستشرقون]
فقد قرأت مقدمة كتاب "التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية" -كتبها الأستاذ "بدوي" بحرارة الشباب التي تتضرم في دَمِه، وجعل يتهدّمُ فيها على التُّراث العربيّ بآراء كالمعاول: تضربُ في الجِذع بعد الجذع على غير هُدًى ولا كتابٍ منير. فلما توغلت في الكتاب رأيت أن آراء المستشرقين- الذين ترجَمَ لهم كلامهم -هي التي وضعتْ في يديه هذه الفأسَ ليعمل بها، ونحن لا نرى أن مثل ذلك مما يُضر بالتراث الإسلامي بشيء، ولكنا نرى أنه يُضرُّ بأصحابه والعاملين عليه أوّل، لأنه يأكل قواهم في شيء لا يمكن أن ينال منه شيءٌ {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، والمُشْكلة كلُّها هي فتنَةُ أكثر الناس بأسماء المستشرقين، وأن ما يكتبون في التاريخ الإسلامي والعربي ينزل من قلوب كثير من شبان الجامعة وغيرهم منزلة الكلام القُدْسي: تحريف معانيه إبطال لقوة "الاستشراق" التي فتنتهم. ونحن -حين قرأنا بعض آرائهم التي ترجمها الأستاذ "بدوي"- وجدناها عملًا صالح المذهب من ناحية مَدْرَجِه، وأما من ناحية التحقيق العلمي، والغاية التي يرمي إليها، فهو عمل غير صالح. فكان هذا الذي عرفناه هو الذي دفعنا أن نخصص هذه الكلمة للكتب الثلاثة المذكورة آنفًا، ولمذاهب المستشرقين في تناول الكتب العربية القديمة بالتحقيق لنشرها، ثم مذاهبهم خاصة فيما يعالجون من تاريخ الفكر الإسلامي أو الحضارة الإسلامية. وليس غرضنا هنا أن نعرض لنقد شيء بعينه من آرائهم، وإنما نريد أن نثبت لهم حقهم الذي وجب لهم بما بذلوه من جُهْدٍ، ونحذر شبَّاننا من الافتتان بباطل من باطلهم.
وينقسم أمر المستشرقين كما ترى إلى عملين: أحدهما عملهم في الكتب العربية القديمة التي نشروها من بدءِ توجههم إلى هذا الغرض، والآخر ما كتبوه