للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[من أين؟ وإلى أين؟]

في هذه العاصفة الهوجاء التي تجتاح الدنيا، والشرق أول ما تجتاح في تهجمها وانقضاضها، أجترئُ فأصدرُ "العصور" محتملا في سبيل ذلك ما يهدّ وما يفزع وما يغتال، وبالله أستعين، وله أتوجه، وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

إن بعث مجلة "العصور" التي كان يقع على تحريرها، ويتولى إصدارها صديقي إسماعيل مظهر، عمل قد نصبت نفسي له، وفرغت من كل شيء في سبيل تحقيقه. لقد كان مما يسعنى أن أصدر مجلة أخرى باسم آخر، وأنهج لها عين المنهج الذي أريده الآن "للعصور". ولكن تاريخًا قديما ينبعث من بعض نواحي القلب يدفعنى إلى أن لا أختار إلا ما اخترت. "فالعصور" الأولى التي كان يقوم بأمرها إسماعيل، إنما كانت ثمرة مبدأ اعتقده صاحبه واستمسك به، وخفَّ له، ونافح دونه، ورمى به إلى غرض. وفي الطريق إلى غرضه، أصاب إسماعيل وأخطأ، وأحسن وأساء، وأثار إلى نفسه من يحب ومن يبغض، واحتقب (١) في ذلك شرًا كثيرًا وأصاب بعض الخير. لقد ميز "العصور" الأولى عن سائر ما كنت رأيته من المجلات أن صاحبها أنشأها لمبدأ تقوم عليه وتعمل به، واستمر يلاقى في سبيله ما يلاقى من شر نفسه وشر الناس، حتى اندفعت به الحوادث إلى مصائبها ونكباتها فصرف وجهه اضطرارًا، وفاء إلى سكتة ظاهرة، يعمل من ورائها قلب مشبوب.

إن الشركة بيني وبين إسماعيل في أصل المبدأ الذي قامت عليه "العصور" الأولى، هو الذي جعلني أتجاوز ابتداء مجلة إلى بعث مجلة، وأيضًا. . . لقد عملت "العصور" عملا لا ينكر أثره في الفكر العربي الحديث، وسواء علينا


(*) العصور العدد الأول، يوم السبت ٢٧ من رمضان سنة ١٣٥٧ - ١٩ من نوفمبر سنة ١٩٣٨
(١) احتقب: حَمَل.