للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بين الرافعي والعقاد

- ٢ -

نقل الأستاذ الأديب سيد قطب في كلمته الثانية بعض ما نقده الرافعي في قصيدة للعقاد في ديوانه بعنوان (غزل فلسفي؛ فيك من كل شيء)، وذلك حين يقول في حبيبته:

فيك منّي ومن الناس ومن ... كلّ موجودٍ وموعودٍ تُؤام

فقال الأستاذ قطب: فلا يرى الرافعي في هذا البيت الفريد إلا أن يقول: "قلنا فإن (من كل موجود) البق والقمل والنمل والخنفساء والوباء والطاعون والهيضة وزيت الخروع والملح الإنجليزي إلى واوات من مثلها لا تعدّ، أفيكون هذا كله في حبيب إلا على مذهب العقاد في ذوقه ولغته وفلسفته؟ ".

ثم يعودُ فيقول: "إن هذا المثال هو مصداق رأيي في أن الرافعي أديب الذهن لا أديب الطبع، وأنه تنقصه "العقيدة"! التي هي وليدة الطبع أولًا؛ فأيّ "طبع" سليم يتجه إلى تفسير بيت غزليّ في معرض إعجاب شاعر بحبيبته، واستغراق في شمول شخصيتها بأن "كلّ موجود" هو البق والقمل والنمل .. إِلخ" غافلًا عما في هذا الإحساس من "حياة" "واستكناهٍ"! لجوهر الشخصية، و"خيالٍ بارع" تثيره طبيعة فنية، فيرى في هذه المرأة من متنوّع الصفات ومختلف النزعات وشتى المزايا عالمًا كاملا من كل موجودٍ وموعود.

أحد أمرين:

إما أن الرافعي ضيق الإحساس مغلق الطبع بحيث لا يلتفت إلى مثل هذه اللفتات الغنية بالشعور.


(*) الرسالة، السنة السادسة (العدد ٢٥٤)، ١٩٣٨، ص: ٨٠٨ - ٨١١.