وإما أنه يدرك هذا الجمال، ولكنه يتلاعبُ بالصور الذهنية وحدها، غافلًا عما أحسّه وأدركه.
وهو في الحالة الأولى مسلوب "الطبع" وفي الثانية مسلوب "العقيدة! " فأيهما يختارُ له جماعة الأصدقاء".
ثم أتمَّ الأستاذ علينا نعمة نقده بأن قال "إن هذا المثال يمثل تلاعب الرافعيِّ بالصور الذهنية، واستغلاق طبعه دون تملي الإِحساس الفني".
وقد آثرنا أن ننقل في كلامنا كل هذا لا نبدِّله ولا نحرِّفه لنقطع بذلك مادة الشك في صحة النقل من كلام الأستاذ قطب، وليجتمع للقارئ فكرُه على رأي متصل حين ينظرُ في أعقاب كلامنا بالتعرُّف أو الإنكار.
ونحن حين قرأنا قصيدة العقاد لأول مرة في مجلة المقتطف (يناير سنة ١٩٣٣) زعمنا أنها قصيدة مؤلَّفة من مادة غير مادة الشعر، وأن الغزل الفلسفي الذي فيها حديث يتهالك، والفلسفة منطق يتماسك، فهي على ذلك ليست من شعر ولا فلسفة. وهذا هو بديهة الرأي لمن يقرأ هذه القصيدة ويتدبر معانيها، ويقيسها إلى غرض صاحبها فإنه سماها أول ما سمى "غزلًا فلسفيًّا" ثم أتبع هذا -وفي رأسها- مما يشبه التفسير لهذا العنوان، وما يتضمن فحوى القصيدة، ويحدد جملة معانيها، وذلك قوله: "فيك من كل شيء".
ولسنا الآن بسبيل نقد القصيدة كلها، وبيان ما أشرنا إليه قبل في أثنائها وتضاعيفها، وإنما نجتزئ بالقول في البيت الذي نقده الرافعي، ثم عقب على نقده الأستاذ سيد قطب بما شاء له "طبعه" المفتوح غير المغلق، و"عقيدته" الكاملة غير المسلوبة و"خياله البارع" غير المتخلف.
وهذا البيت بعينه:
فيك مني ومن الناس ومن ... كلّ موجودٍ وموعودٍ تُؤام
إنما هو تكرار لقوله في صدر القصيدة: "فيك من كل شيء" حين أراد الشاعر أن يزيده بيانًا ووضوحًا، ويجلوه جلاء المرآة ليصف شخص صاحبته، أو كما قال الأستاذ القطب (لاستكناه جوهر شخصيتها! ).