الاتجاه الغامض إلى المعنى المبهم الذي تضمنته كلمة "التجديد"، وأنى هذا الرفض الخفي للثقافة التي كان ينبغي أن ننتمى إليها، وإلى الانحياز الكامل إلى قضايا الفكر والفلسفة والأدب والتاريخ التي أولع الأساتذة بتلخيصها لنا، لكي نلحق بثقافة العصر الذي نعيش فيه، وبمناهجه في التفكير، كما صوروا لنا ذلك في خلال ما يكتبونه! ! وغاب عن الأساتذة الكبار أن الزمن الدوار الذي يشيب الصغير ويفني الكبير، هو الذي سيتولى الفصل بينهم وبين أبنائهم الصغار الذين كانوا يتعلمون اليوم على أيديهم. والقصة تطول، ومع ذلك فليس هذا مكان قصها على وجهها، إذا أنا أردت أن أقيد ما كان، كما شهدته فيما بين سنة ١٩٢٨ وسنة ١٩٣٦، بل إلى ما بعد ذلك إلى يومنا هذا". (مقدمة المتنبي ص ٣٧، ٣٨).
فهذا كما ترى -هو الفصل الذي جاء فيه ذكر "التفريغ"، وهو شهادتى أنا على جيلى الذي أنا منه، وهو جيل المدارس الذي فرغ من ثقافة أمته، وتقطعت علائقه بينه وبين حضارتها على وجه بشع لا تزال آثاره هي الغالبة إلى يومنا هذا، وكما ترى وكما تستطيع أن تتحقق، ليس فيها ذكر للدكتور طه على الوجه الذي ذكره المقالح، ومن أحب من القراء أن يرجع إليه، فليرجع إليه، أقول ذلك مخافة أن يفقد الثقة بما أقول، كما سيفقد الثقة بأقوال الدكتور المقالح.
وبعد أن فرغت قلت مباشرة: "ومع ذلك، فأنا أحب أن أقرر هنا حقيقة أخرى، تعين على توضيح هذه الصورة التي صورتها، وكنت أنا أحد شهودها سنة ١٩٢٨ - ١٩٣٦، فصورتها فيما سلف. فالدكتور طه حسين -وهو أحد الأساتذة الكبار- سوف يشهد في سنة ١٩٣٥ شهادته هو، من موقعه هو، أي من موقع الأستاذية، من وجهة نظره هو، ومن دوافعه هو إلى الإدلاء بهذه الشهادة" (المقدمة ص: ٣٩).
[كتاب الشعر الجاهلي]
ثم في (صفحة ٤٠ من المقدمة) عدت فتعرضت لكتاب الشعر الجاهلي، وأثره على جيلنا نحن، جيل المفرغين، وما ألقاه علينا وقاله الدكتور طه، وزعم