للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بين الرافعي والعقاد

- ١ -

قرأت ما كتب الأستاذ سيد قطب في العددين السالفين من الرسالة، وكنت حَرِيًّا أَلَّا أعبأ بما يكتبُ عن الرافعي في أوانٍ حولِ وفاته، وقد تهيأ أهله وأحباؤه وأصحابه تتلفَّتُ قلوبهم لذكراه الأولى بعد أن سَلَّه الموت من بينهم اغترارًا.

والأستاذ سيد قطب قد أبى له حسن أدبه، وجميل رأيه، ومروءة نفسه، ونُبْل قلبه، وشرف مقصده، وإشراق نقده إلَّا أن ينبش ماضي الرافعي وما سلف من أمره، ليستخرج حلية يتحَلَّى بها إذ يكتب عن خصومةٍ بين رجلين: أما أحدهما -أنسأ الله في أجله وأمتع به- فما برح يتلطف للناس بما يستجيد من عمل يجدد به مَطَارِفَ آخرته؛ وأما الآخر -رحمةُ الله عليه- بين يدي ربه يتقرب إليه بعمل قد أبلى به أثوابَ دُنْياه. فلولا أن الميت لا يدفع عن نفسه في ساعة موته مثل الَّذي كان يدفع في أيام حياته، وأن ذكر الحي أقرب إلى الناس من ذكر الميت -لكان جديرًا بنا أن ندع الأستاذ المهذب الفاضل يتكلم بالذي يهوى على ما خيَّلَتْ له. فليس للأدب اليوم من الحرمة، ولا فيه من النبل، ولا عليه من الحياطة والحرص ما يحفز أحدًا للمراصدةِ دونَه أن يُمتَهن أو يُسْتَرْذَل.

هذا. . . . وقد جعل الأستاذ الفاضل يستثير دفائن الإِحَن (١)، والأحقاد التي كانت بين الرافعي والعقاد، ليتخذ منها دليلَهُ الَّذي يفزعُ إليه في أحكامه! ! على الرافعيِّ. لا بل على قلب الرافعيِّ ونفسه وإيمانه بعمله وعقيدته فيه! ! ثم لم يرض بذلك حتَّى نفخ فيها من روح الحياة، ما جعلها ممَّا يكتب الأحياء عن الأحياء للإِيلام والإثارة، لا للجرح والتعديل والنقد؛ وكأن الفتنة عادت جَذَعَةً (٢) بين الرافعي نفسه وبين العقاد. ولقد بدا لبعض الناس رأيٌ فيما كتب الأستاذ


(*) الرسالة، السنة السادسة (العدد ٢٥٤) ١٩٣٨، ص: ٧٨١ - ٧٨٣
(١) الإحن: جمع إِحْنَة، وهي الحقد والضغينة
(٢) جذعة: يقال: أعدتُ الأمَر جَذَعًا، أي جديدًا كما بدأ، ولا يكاد يُسْتَعمل إلا في الشرِّ.