المهذب، ولكنا نفيناه إذ سُئلنا عنه، فنحن نعلم أن العقاد لا يرضى اليوم أن يكتب مثل هذا الَّذي كُتب عن الرافعي. ولقد ساء ظن امرئ بالعقاد ألا تكون للموت في نفسه حرمة، حتَّى يكون هو يعين عليه أو يرتضيه أو يسكت عنه إلا سكوت الغَضَبِ والاستهانة.
فنحن إذ نكتب في ردِّ كلام هذا الأستاذ الفاضل سيد قطب لا نبغي أن نسدِّدَ له الرأي فيما يحب أن يرى، فما علينا ضَلَّ أو اهتدى، ولا أن نقيم مذهب الرافعيِّ على أصله وقد ذهب سَببُه وبقى أدبه؛ ولا أن نسوء العقاد حفيظة نتوارثها له عن الرافعي أو من ذات أنفسنا، فما من شيمتنا مثلُ ذلك؛ كلَّا، بل نكتب لنميط الأذى عن حُرَم الموت، وكفى بالموت حقًّا وجلالًا.
ورحم الله الشعبيَّ فقد كان يقول:"تعايش الناس زمانًا بالدين والتقوى، ثم رُفِعَ ذلك فتعايشوا بالحياء والتذمم، ثم رفع ذلك فما يتعايش الناس اليوم إلا بالرغبة والرهبة. وأظنه سيجئ ما هو أشد من هذا". ولقد جاء وفات ما نحن فيه ظنونَ الشعبي. فما يتعايش الناس اليوم إلا بثلْبِ الموتى!
والا فما الَّذي رمَى في صدر الأستاذ سيد قطب بهذه الغضبة الجائحة من أجل العقاد؟ ألم يكتب الرافعي للعقاد يوم كان يملك يكتب ويقول؟ أو لم يكتب العقاد للرافعي ما كتب؟ ثم نامت الثائرة ما بينهما زمنًا كان حده الموت. يقول الأستاذ: إنه -هو لا العقاد- "كان مستعدًّا للثورة والحنق، لو تناول بعض هؤلاء -يعني الرافعي ثم مخلوفًا- أدَبه! بمثل هذا الضيق في الفهم، والاستغلاق في الشعور. . . .". أفكان كلام سعيد العريان -وهو يؤرخ أحقادًا قد سلَّها الموت إذ سَلَّ أسبابها- هو الَّذي أثار هذا الحيّ المستعد للثورة على ذلك الميت العاجز عن دفع الثورة؟ ثم ما الَّذي يحمله على أن يُلبسَ هذه الثورة جلد النقد؟ والعجب أن يثير ما كتب "سعيد" حيًّا ليس شيئًا في الخصومة بين الرافعي والعقاد، وهو ليس يثير العقاد أحدَ طرفي الخصومة، وهو الَّذي يملك أن يقول لسعيد أخطأ أو أصاب. . . .! أشهد أن ما بالأستاذ قطب النقد، ولا به الأدب، ولا به تقدير أدب العقاد أو شعره. فما هو إلا الإنسانُ وجهٌ يكشفه النور ويشف عما به، وباطن قد انطوى على ظلمائه فما ينفذ إلى غيبه إلا عِلْمُ الله.