للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خرافاته، بل لأني أرى أن حضارة الإنسانية يجب أن تتجدد بمادتها النبيلة السامية التي كل أجزائها فضائل. أما هذه الحضارة الأدبية العصرية للقرن العشرين، فهي حضارة حيوانية الفضائل، ليس في أعمالها إلا فتنة بعد فتنة. ولا نقول هذا في العلم -معاذ الله- فإن العلم الحاضر قد استطاع أن ينفذ في بعض أسرار الكون بأسباب كأسباب المعجزات، ومع ذلك، فقد كان هذا العلم نفسه، هو ما اتخذوه تدليسًا في تمجيد حضارة القرن العشرين، ليفتنوا الناس بها عن حقيقة الإنسانية الروحية المتجردة من أغلال الحيوانية النازلة المُتَسَفِّلَة.

[الحرب]

ويكفي أن تكون هذه الحرب التي أحدَّت أنيابَها ونشرت مخالبها، وزأرت زئيرها، ثم أسبابها التي نشأت عنها من المطامع الاستعمارية المستكلبة الضارية، ثم ما سيكون من آثارها في الأرواح الإنسانية والمدنية الروحية. . . يكفي أن تكون هذه الحرب -من جميع نواحيها وأطرافها، وبجميع خلائقها وزمن هذه الخلائق- توصيما كتوصيم الفجور الأسود في الأعراض النقية البيضاء.

هذه الحرب الفاجرة المتعرِّية من جميع الفضائل برذيلة الكذب والخداع مما يسمونه الدعاية والسياسة هي البرهان الحي في أذهاننا جميعًا -أهلَ القرن العشرين- على أن مدنية هذا القرن، مدنية حيوانية الأصول والفروع، هي مدنية مفترسة متوحشة، لا تعترف بالحق ولا تعرف الحق، وليس إلا. . . الغذاءَ الغذاءَ. . . الصيدَ الصيدَ. . .: هذا نداؤها وهذا دينها وهذا إيمانها. ثم لا تكون مغبّة أعمالها إلا تمزيقًا وقضقضة وقضما، وتدميرًا لبنيان الله الذي يسمى "الإنسان".

[الحرية! !]

إن هذا القرن العشرين أُسطورةٌ مُهَوَّلةٌ قد انحدَرت من القدم إلى هذا الزمن، في دمها كلُّ الأساطير الحيوانية المرجِفة في تاريخ الإنسانية. إنه أسطورة عظيمة كاذبة مُكَذَّبة على الناس، وإن في مدنيته من الباطِل ملءُ علومِها حقًّا. إنَّ الأجيالَ