للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مقاليد الكتب]

[١ - ديوان عبد المطلب]

قامت بطبعه ونشره مطبعة الاعتماد سنة ١٩٣٤ وقف على طبعه الأستاذ محمد الهوارى وشرحه وصححه الأستاذان (إبراهيم الأبياري) و (عبد الحفيظ شلبي)

كان عبد المطلب -رحمه الله-على كثرة ما يعاودهُ من الأمراض- فتيًّا تسمع لحديثه رنّات مجلجلات كأنما يتكلم وحده في بيداءَ تتداعى أصداؤها، وكانت الكلمات العربية الخالصة تتحدّر من لسانِه ومن بين شفتيهِ وعليها ميسم العرب الخُلَّص إلَّا في قليل من الحروف، وذلك القليل هو حرف (الضاد) فإني كنت أسمعهُ ينطقه على لهجتنا (أعني أهل مصر) كأنهُ دالٍ مفخمة (١)، وكان الرجل في إحساسه بوداد أصدقائه كأنما خلقت أعصابه كلها من المادة التي يُخْلَق منها القلب الرقيق الوفيُّ، ولذلك كان أهون الناس عداوة على الرغم مما ترى من شدتهِ وجفائهِ في الخصومة، ولذلك أيضا كان أحسن الناس تقديرًا لمعاصريه من الأدباء لا يداخله في ذلك حسدٌ. هذا الإحساس الرقيق وحده كان هو موضع الشعر في عبد المطلب، فإذا صعب على أصحابنا من الأدباء أن يعدُّوا شعر عبد المطلب كله من عالى الشعر في هذا العصر، فليس منهم من يستطيع أن ينسى أن رجلًا من الرجال اسمهُ عبد المطلب رحمة الله عليه كان كما خلق إنسانية من الشعر لا إنسانًا من الشعراء.

وأنا حين أقرأ شعر عبد المطلب لا أشك ساعة في أمرين. أما أحدهما: فكون هذا الشعر ليس من النمط العالى الذي تقوم بهِ البلاغة العربية في هذا العصر وإن كان هو من حيث العربية وعلومها من جيد الكلام وجزلِه ورصينهِ ومحكمهِ.


(*) المقتطف، المجلد ٨٥، يوليو ١٩٣٤، ص: ١١٤ - ١١٥
(١) أما النطق العربي الصحيح (للضاد) فهو قريب الشبه بالظاء مع اختلاف المخارج فإن مخرج الضاد من أول حافة وما يليه من الأضراس من الجانب الأيسر وهذا الحرف يستطيل في النطق به حتى يتصل بمخرج اللام وهو الحرف الوحيد الذي يسمى (المستطيل) لما فيه من القوة بالجهر والإطباق والاستعلاء. (شاكر).