للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واطراح التدبر في مبهماتها ومتشابهاتها تخففا من الأعباء، وتفلُّتا من القيود = فأنا عندئذ على ثقة من قدرتك على استبانة ما أوجزته هنا، استبانة تغنينى عن كل شرح وتفصيل. وقبل كل شيء، فأنا لم أكتب هذا إلا لك وحدك، أما قراء هذه المجلة، فلست على ثقة من أمرهم حين يقرأون هذا الكلام، على هذا السياق، لأنى لا أعلم عن أحد منهم شيئا يغنى. فإذا سخطوا عليّ، فهين سخطهم في مرضاتك، وإذا رضوا عني، فبفضلك أنت كان رضاهم، وهذا اعتذار مني إليهم. وأيا كان الأمر، فإني إنما اضطررت اضطرارا إلى ركوب هذا المركب، إذ ليس عندي ولا عند القراء مني، ما كان خليقا أن يعفيك ويعفيهم من كل مشقة. ليس عندي قليل ولا كثير مما عند الدكتور طه: الذي أعفاهم وأعفاك من أن "نتناول تصوره (للتذوق الفني)، أو الأسس النظرية لمناهجه المتطورة في النقد، فهي معروفة للقراء، وفي كتب مطبوعة أكثر من طبعة"، كما قلتَ آنفا في الفقرة الأولى مما لخصتُه من مقالتك الثالثة. ليس عندي شيء من هذا، ولا أنا بهذه المنزلة الموجبة لإعفائك وإعفاء القراء.

[القول في "تذوق الشعر"]

والمسألة الآن في تحرير القول في اللفظ المشترك بيني وبينك، حيث أقول أو تقول: "تذوَّقَ الشعر" أو "تذوَّقتُ هذا الشعر". وأبدأ هنا بلفظ "الشعر" الذي يتعلق به "التذوق"، متجنبا استعمال هذه التحف التي ألطفنا بها زماننا، من ألفاظ مشكلة غامضة غير مستقرة، مثل "الشكل" و"المضمون" وأخواتهما وبنات عماتها وبنات خالاتها. ولكى يكون حديثي عن "الشعر" واضحا في ففسك، فأسألك أن تكون على ذُكْر دائم غير متقطع من أن "الشعر" كلام، وأن "الكلام" أصلا هو اللفظ المسموع لا المكتوب، فإن أكثر حديثي هنا يتضمن ما يوجب أن يكون هذا المعنى حاضرا في الذهن، وإن لم أكتبه. وأنت بلا شك تدرك، لماذا سارعت فسألتك أن تفعل ذلك، وإن كان مثل هذا السؤال غير لائق أحيانا، ولكن لولا ذلك لما سألتك.