للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" جمعية الشبان المسلمين"

في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول، من سنة ١٣٥٣ وضع الحجر الأساسى لبناء دار جمعية الشبان المسلمين، وإني ليحزننى أن لا أكون حضرت وضعه في أرضه المباركة، فلقد كان قلبي يوما ما لبنة حية من لبنات هذه الجماعة، ولا يزال هذا القلب مخلصا لها إخلاص ورع لا دعوى فيه، محبا لها محبة إيمان لا نفاق فيها، يبتسم لما تبتسم له، ويغضب لما تغضب له، ويأسى لما تأسى به، ولئن كان من أحداث الدهر عندي أنى انقطعت دون أصحابى من هذه الجماعة، فوقفت وساروا، فإني لا أزال أجد في نفسي الاطمئنان إليهم، وما بى عنهم من تأخر حين يدعوننى إلى مكانى من صفوف المجاهدين يوم يشتد ساعدى للجهاد.

وبعد أن وضع هذا الحجر الأساسى رغّب إليّ أستاذي وصديقي محب الدين الخطيب أن أتعجل في كتابة التاريخ الماضي للأيام الأولى لظهور هذه الجماعة التي انتشرت في عام واحد بين خوافق العالم الإسلامي، انتشار النور الإلهي في القلوب المؤمنة، وسبيل التاريخ في مثل هذا أن تذكر الحوادث مؤرخة باليوم والساعة، مبينة بالمواضع والأمكنة، محددة بالرجال والأعمال، ولكني وجدت أن أوراقى قد تشتّت على الآن، وليس بين يدي منها إلا القليل الذي لا يأتي منه هذا التاريخ على وجه التدقيق والتحقيق. فقصارى ما أكتبه في هذه الكلمة أن يكون تاريخا مجموعا من أشتات الورق، ثم مما وعته الذاكرة من أيام كانت تمر بنا إذ ذاك مر السحاب، لفرط ما فيها من الحياة والشباب، والعجلة والاهتمام، ثم إن فرحة ما كنا بسبيل تحقيقه هي مما يُنْسِي المرء كل شيء، حتى لذة العمل والإخلاص.


(*) مجلة الفتح - العدد ٤٠١، السنة التاسعة، ١٦ من ربيع الأول ١٣٥٣ هـ، ٢٩ يونيو ١٩٣٤.