للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك السم الذي يغلى عليهِ دمهُ؟ وفي سكتة البيداء التي لا حس فيها ولا ركز (١)، تترامى إليه من كل وجه أصوات تتردد "ميّ، ميّ" وتقع في سمعه إلى قلبه سهامًا مسددة تنفذ في رميتها تنشُّ كأنها سِكَّة محماة.

ما أقسى هذه الساعات التي تمر عليهِ وهو كالملقى على جمرات الغيظ في غمرات من لهيب الغيرة! ! إنها تمضي لا يحس منها إلا حريق الزمن خالدًا عليهِ، لا ينقضى ولا يتقطع. وأخوه مسعود إلى جانبه ينظر مشفقًا متلددًا إلى شبح ساكن لا ينود (٢) منهُ شيء أو يتحرك. من لهُ بأن يستلَّ أخاه المسكين من أمواج أطبقت عليهِ من كل مكان؟ إن الصمت وحده هو كل ما يستطيع أن يعين بهِ أخاه على بلوى هادمة مدمرةٍ، صمت ينطق بالمشاركة والإسعاد، والرقة والحنان. ليتهُ ما أطاعهُ، بل ليتهُ أغرى أخاه بالرحلة في جانب من الأرض بعيد فعسى كان يستجدُّ له من نوازع الحياة ما يكفيهِ شر مىٍّ وشرّ هواها.

وكذلك يخطو ذو الرُّمة الخطوة الأولى في الطريق إلى حقيقة الحب. . .، في الطريق إلى العذاب. . .، في الطريق إلى الجحيم الذي يجعل النفس العاشقة سعيدة بالألم، متشبثة به، آلفة له، باحثة عنهُ لو فتر عنها أو سكت.


(١) الحِسّ والرِّكْز بمعنى.
(٢) ينود ويتحرك بمعنى، وإن كانت الأولى فيها بمعنى التمايل.