للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مصر هي السودان]

دخلت المسألة المصرية السودانية في ساعة حاسمة لابد فيها من العمل والتسديد والحزَامة والتصميم، وأصبح لزامًا على أهل الرأي ورجال السياسة أن ينزعوا الخوف من قلوبهم ويطرحوا التردّدَ جانبًا، ويقبلوا على المعركة مستبسلين لا يخافون. وقد صار أمر مصر والسودان إلى مصير ليس في تاريخ مصر والسودان أسوأ منه، فكل نكولٍ عن أداء الواجب وعن التنبيه والتحذير خيانة لوادي النيل لا يغتفرها لنا آباؤنا ولا أحفادنا من بعدنا. وإذا أضعنا اليوم حق مصرَ والسودان علينا، فقد ضاع كلُّ ما ترجوه بلادُ العرب والمسلمين من أطراف الصين إلى أقاصي المغرب الأقصى، وإذا الفرصة السانحة قد أفلتتْ من يد هذه الأمم إلى غير رجعة. فمسألة مصر والسودان ليست إذن مسألة مفردة برأسها بل هي أمّ المسائل العربية والشرقية جميعًا، وموقفنا حيالها هو المحكُّ لكل ما يرجوه الشرق ويؤمله.

بيد أن مسألة مصر والسودان قد أصابها من البلْبلة على مر السنين الطوال ما يُخشى معه أن يدعَ للعدوّ منفذًا يتدَسسُ منه إلى إحداث الفرقة والتنابذ، وقد بدا شيءٌ من آثارهما في العهد الأخير بعد أن استطاعت الدولة الخدّاعة أن تستميل قلوب نفر من أهل المطامع ورجال السوء في السودان وغير السودان. فلابُدّ إذن أن نبدئ ونعيدَ في بيان الحقيقة التي لا تطمس نورها الأكاذيب الملفَّقة، ولا يُطفئ رونقها طول الإهمال والترك. وإنا لنأسف أن قد مضى على كبار ساستنا زمانٌ وهم يظنون أن علاج المسألة المصرية مفصولة عن السودان هو الطريقُ إلى نيل الحق من غاصب وادي النيل، فأصبح الناس وإذا هم يرون ضلال الساسة الغابرين في بتر قضية وادي النيل وشطرها إلى شطرين سموها باسم المسألة المصرية والمسألة السودانية. ولو هم عملوا، منذ ولَّاهم الله سياسة هذه الأمة،


(*) الرسالة، السنة الخامسة عشرة (العدد ٧٠٨)، يناير ١٩٤٧، ص: ١٠٤ - ١٠٦.