للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صدقتمُ اليوم إذْ أَمِر أمرُكم (١)، لتعرفنّ غدًا أننا شعب الله الذي لا يرضى له الله بالذلة والمسكنة، ولقد كنا ملوك الأرض فدالت دولتنا كما دالت من قبلها دول، ولكن الله بالغُ أمره يوم تدولون كما دُلْنا ويعودُ الأمر إلينا، فنحن قوم أولوا بأس شديد، ونحن أهل الكتاب الأوّل، ونحن أتباع الحقِّ. فإذا جاء ذلك اليوم يا أبا عبد الرحمن فستعلمون أينا أشدُّ تنكيلا. فوالله لنتخذَّنكم لنا أعوانًا على أنفسكم، ولنضربَن غاديكم برائحكم ومقبلكم بمدبركم، ولنوقعنَّ الفتنة بينكم حتى يُصْبح الرجل مِنكم مؤمنا ويمسي كافرًا، وليكوننَّ لنا من أنفسكم رجالٌ يخربون بيوتهم وبيوت آبائهم وهم عنا رضوان ولنا مطيعون!

قال محمد بن مسلمة: فسمعتُ الرجل يقول قولًا كبيرًا، فقلت له: لئن صدقَ أنبياؤكم فكانَ ذلك، فما صدقوا إلا ليصدقوا رسول الله في خبره، فأنتم اليوم أشتاتٌ مبعثرون في جنبات الأرض، وليزيدنكم ربُّكم فُرقةً وشتاتًا، فإذا جاء ذلك اليوم فدخلتم علينا أرضَنا وعلا أمركُم في حيث يشاءُ الله منها، فلكي تتم فيكم كلمة الله وليعذَّبكم وليستأصل شأفتكم من أرْضه، ولتكونوا عبرةً للطاغين من أمثالكم، فقد قال الصادق المصدّق رسول الله: "تقاتلكم يهودُ فتسلَّطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم! هذا يهوديّ ورائي فاقتله"، فوالله ليكونن ذلكَ كما أرادَ الله، ويومئذٍ يعض طُغاتكم وطواغيتكُم أطراف البنان من النَّدم، فالعربُ هي ما علمت يا ابن الحارث لا ينامُ ثائرها (٢) ولا يُخطم أنفها بخطام.

(قال عمر) قلت: يا أبا عبد الرحمن! وإن ذلك لكائنٌ؟ قال: يا بني، ما علمي بالغيب! ولكنه إذا جاء فليقضيَنَّ الله بيننا قضاءَه، ويكونُ يومئذ فناؤهم على أيدينا، فأمرُ المسلمين إلى ظهور، وأمر يهود إلى حُكم الله الذي ضرَب عليهم الذِّلة والمَسْكَنَة إلا بحبلٍ من الله وحبل من الناس. والله يحكم لا معقِّب لحكمه.


(١) أَمِرَ أمركم: اشتدَّ وقويَ.
(٢) الثائر: الذي لا يُتقى على شيء حتى يُدرك ثأرَه.